وأما قوله :﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا والله يُرِيدُ الآخرة﴾ فنقول هذا لا يدل على قولكم، وبيانه من وجهين : الأول : أن المراد من هذه الآية حصول العتاب على الأسر لغرض أخذ الفداء، وذلك لا يدل على أن أخذ الفداء محرم مطلقاً.
الثاني : أن أبا بكر رضي الله عنه قال الأولى : أن نأخذ الفداء لتقوى العسكر به على الجهاد، وذلك يدل على أنهم إنما طلبوا ذلك الفداء للتقوى به على الدين، وهذه الآية تدل على ذم من طلب الفداء لمحض عرض الدنيا ولا تعلق لأحد البابين بالثاني.
وهذان الجوابان بعينهما هما الجوابان عن تمسكهم بقوله تعالى :﴿لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.
والجواب عما ذكروه رابعاً : أن بكاء الرسول عليه الصلاة والسلام يحتمل أن يكون لأجل أن بعض الصحابة لما خالف أمر الله في القتل، واشتغل بالأسر استوجب العذاب، فبكى الرسول عليه الصلاة والسلام خوفاً من نزول العذاب عليهم، ويحتمل أيضاً ما ذكرناه أنه عليه الصلاة والسلام اجتهد في أن القتل الذي حصل هل بلغ مبلغ الإثخان الذي أمره الله به في قوله :﴿حتى يُثْخِنَ فِي الأرض﴾ ووقع الخطأ في ذلك الاجتهاد، وحسنات الأبرار سيئات المقربين، فأقدم على البكاء لأجل هذا المعنى.
والجواب عما ذكروه خامساً : أن ذلك العذاب إنما نزل بسبب أن أولئك الأقوام خالفوا أمر الله بالقتل، وأقدموا على الأسر حال ما وجب عليهم الاشتغال بالقتل، فهذا تمام الكلام في هذه المسألة.
والله أعلم.
المسألة الرابعة :
في شرح الألفاظ المشكلة في هذه الآية.
أما قوله :﴿مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن تَكُونَ لَهُ أسرى﴾ فلقائل أن يقول : كيف حسن إدخال لفظة كان على لفظة تكون في هذه الآية.
والجواب : قوله ﴿مَا كَانَ﴾ معناه النفي والتنزيه، أي ما يجب وما ينبغي أن يكون له المعنى المذكور ونظيره ما كان لله أن يتخذ من ولد قال أبو عبيدة.