فصل
قال الفخر :
ثم قال تعالى :﴿لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.
واعلم أنه كثر أقاويل الناس في تفسير هذا الكتاب السابق.
ونحن نذكرها ونذكر ما فيها من المباحث :
فالقول الأول : وهو قول سعيد بن جبير وقتادة لولا كتاب من الله سبق يا محمد بحل الغنائم لك ولأمتك، لمسكم العذاب.
وهو مشكل لأن تحليل الغنائم والفداء هل كان حاصلاً في ذلك الوقت، أو ما كان حاصلاً في ذلك الوقت ؟ فإن كان التحليل والإذن حاصلاً في ذلك الوقت امتنع إنزال العذاب عليهم، لأن ما كان مأذوناً فيه من قبل لم يحصل العقاب على فعله، وإن قلنا : إن الإذن ما كان حاصلاً في ذلك الوقت كان ذلك الفعل حراماً في ذلك الوقت أقصى ما في الباب أنه كان في علم الله أنه سيحكم بحله بعد ذلك إلا أن هذا لا يقدح في كونه حراماً في ذلك الوقت.
فإن قالوا : إن كونه بحيث سيصير حلالاً بعد ذلك يوجب تخفيف العقاب.
قلنا : فإذا كان الأمر كذلك امتنع إنزال العقاب بسببه، وذلك يمنع من التخويف بسبب ذلك العقاب.
القول الثاني : قال محمد بن إسحاق :﴿لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ﴾ إني لا أعذب إلا بعد النهي لعذبتكم فيما صنعتم، وأنه تعالى ما نهاهم عن أخذ الفداء، وهذا أيضاً ضعيف لأنا نقول حاصل هذا القول أنه ما وجد دليل شرعي يوجب حرمة ذلك الفداء، فهل حصل دليل عقلي يقتضي حرمته أم لا ؟ فإن قلنا حصل، فيكون الله تعالى قد بين تحريمه بواسطة ذلك الدليل العقلي، ولا يمكن أن يقال إنه تعالى لم يبين تلك الحرمة، وإن قلنا : إنه ليس في العقل ولا في الشرع ما يقتضي المنع، فحينئذ امتنع أن يكون المنع حاصلاً، وإلا لكان ذلك تكليف ما لا يطاق، وإذا لم يكن المنع حاصلاً كان الإذن حاصلاً، وإذا كان الإذن حاصلاً، فكيف يمكن ترتيب العقاب على فعله ؟