وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ﴾
يعني : المهاجرين الذين هجروا ديارهم وأموالهم وقومهم في نصرة الدين.
﴿ والذين آووا ونصروا ﴾ يعني : الأنصار آووا رسولَ الله، وأسكنوا المهاجرين ديارهم، ونصروهم على أعدائهم.
﴿ أولئك بعضهم أولياء بعض ﴾ فيه قولان.
أحدهما : في النصرة.
والثاني : في الميراث.
قال المفسرون : كانوا يتوارثون بالهجرة، وكان المؤمن الذي لم يهاجر لا يرث قريبه المهاجر، وهو معنى قوله :﴿ مالكم من وَلاَيتهم من شيء ﴾ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر، وعاصم، والكسائي :"وَلايتهم" بفتح الواو.
وقرأ حمزة : بكسر الواو.
قال الزجاج : المعنى : ليس بينكم وبينهم ميراث حتى يهاجروا.
ومن كسر واو الولاية، فهي بمنزلة الإمارة ؛ وإذا فتحت، فهي من النصرة.
وقال يونس النحوي : الوَلاية بالفتح، لله عز وجل، والوِلاية بالكسر، من وُليِّت الأمر.
وقال أبو عبيدة : الوَلاية بالفتح، للخالق ؛ والوِلاية، للمخلوق.
قال ابن الأنباري : الوَلاية بالفتح مصدر الوليِّ، والوِلاية : مصدر الوالي، يقال : وليّ بين الوَلاية، ووالٍ بيِّن الولاية ؛ فهذا هو الاختيار ؛ ثم يصلح في ذا ما يصلح في ذا.
وقال ابن فارس : الوَلاية بالفتح : النصرة، وقد تكسر.
والوِلاية، بالكسر : السلطان.
فصل
وذهب قوم إلى أن المراد بهذه الولاية موالاة النصر والمودَّة.
قالوا : ونسخ هذا الحكم بقوله :﴿ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ﴾ [ التوبة : ٧١ ].
فأما القائلون بأنها ولاية الميراث، فقالوا : نسخت بقوله :﴿ وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ﴾ [ الأنفال : ٧٥ ].
قوله تعالى :﴿ وإن استنصروكم في الدين ﴾ أي : إن استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا فانصروهم، إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم عهد، فلا تغدروا بأرباب العهد.
وقال بعضهم : لم يكن على المهاجر أن ينصرَ من لم يهاجر إلا أن يستنصره. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٣ صـ ﴾