وقال ابن عاشور :
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾
الأظهر أنّ هذه جملة معترضة بين جملة ﴿ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ﴾ [ الأنفال : ٧٣ ]، وجملة ﴿ والذين آمنوا من بعد وهاجروا ﴾ [ الأنفال : ٧٥ ] الآية، والواو اعتراضية للتنويه بالمهاجرين والأنصار، وبيان جزائهم وثوابهم، بعد بيان أحكام ولاية بعضهم لبعض بقوله :﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ﴾ إلى قوله :﴿ أولئك بعضهم أولياء بعض ﴾ [ الأنفال : ٧٢ ] فليست هذه تكريراً للأولى، وإن تشابهت ألفاظها : فالأولى لبيان ولاية بعضهم لبعض، وهذه واردة للثناء عليهم والشهادة لهم بصدق الإيمان مع وعدهم بالجزاء.
وجيء باسم الإشارة في قوله :﴿ أولئك هم المؤمنون ﴾ لمثل الغرض الذي جيء به لأجله في قوله :﴿ أولئك بعضهم أولياء بعض ﴾ [ الأنفال : ٧٢ ] كما تقدّم.
وهذه الصيغة صيغة قصر، أي قصر الإيمان عليهم دون غيرهم ممّن لم يهاجروا، والقصر هنا مقيّد بالحال في قوله :﴿ حَقّاً ﴾.
فقوله :﴿ حقّا ﴾ حال من ﴿ المؤمنون ﴾ وهو مصدر جعل من صفتهم، فالمعنى : أنّهم حاقّون، أي محقّقون لإيمانهم بأن عضّدوه بالهجرة من دار الكفر، وليس الحقّ هنا بمعنى المقابل للباطل، حتّى يكون إيمان غيرهم ممّن لم يهاجروا باطلاً، لأنّ قرينة قوله :﴿ والذين آمنوا ولم يهاجروا ﴾ [ الأنفال : ٧٢ ] مانعة من ذلك، إذ قد أثبت لهم الإيمان، ونفى عنهم استحقاق ولاية المؤمنين.
والرزق الكريم هو الذي لا يخالط النفع به ضرّ ولا نكد، فهو نفع محض لا كدر فيه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٩ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon