ويجوز أن يراد بالعهد ما نكثوا من التزامهم للنبيء ﷺ حين دعاهم إلى الإسلام من تصديقه إذا جاءهم ببيّنة، فلمّا تحدّاهم بالقرآن كفروا به وكابروا.
وجواب الشرط محذوف دلّ عليه قوله :﴿ فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم ﴾.
وتقديره : فلا تضرّك خيانتهم، أو لا تهتمّ بها، فإنّهم إن فعلوا أعادهم الله إلى يدك كما أمكنك منهم من قبل.
قوله :﴿ فأمكن منهم ﴾ سكت معظم التفاسير وكتب اللغة عن تبيين حقيقة هذا التركيب، وبيان اشتقاقه، وألَمَّ به بعضهم إلماماً خفيفاً ؛ بأن فسروا ( أمكنَ ) بأقدَرَ، فهل هو مشتقّ من المكان أو من الإمكان بمعنى الاستطاعة أو من المكانة بمعنى الظفر.
ووقع في "الأساس" "أمكنني الأمرُ معناه أمكنني من نفسه" وفي "المصباح" "مكنته من الشيء تمكينا وأمكنته جعلت له عليه قدرة".
والذي أفهَمه من تصاريف كلامهم أن هذا الفعل مشتقّ من المكان وأنّ الهمزة فيه للجعل، وأن معنى أمكنه من كذا جعل له منه مكاناً أي مقراً، وأنّ المكان مجاز أو كناية عن كونه في تصرفه كما يكون المكان مَجالاً للكائن فيه.
و"من" التي يتعدّى بها فعل أمكن اتّصالية مثل التي في قولهم : لستُ منك ولستَ منّي.
فقوله تعالى :﴿ فأمكن منهم ﴾ حذف مفعوله لدلالة السياق عليه، أي أمكنك منهم يوم بدر، أي لم ينفلتوا منك.
والمعنى : أنّه أتاكم بهم إلى بدر على غير ترقّب منكم فسلّطكم عليهم.
﴿ والله عليم حكيم ﴾ تذييل، أي عليم بما في قلوبهم حكيم في معاملتهم على حسب ما يعلم منهم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٩ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon