وروي أنه قدم على رسول الله مال البحرين ثمانون ألفاً، فتوضأ لصلاة الظهر وما صلى حتى فرقه، وأمر العباس أن يأخذ منه، فأخذ ما قدر على حمله، وكان يقول : هذا خير مما أخذ مني، وأنا أرجو المغفرة.
واختلف المفسرون في أن الآية نازلة في العباس خاصة، أو في جملة الأسارى.
قال قوم : إنها في العباس خاصة، وقال آخرون : إنها نزلت في الكل، وهذا أولى، لأن ظاهر الآية يقتضي العموم من ستة أوجه : أحدها : قوله :﴿قُل لّمَن فِى أَيْدِيكُم﴾ وثانيها : قوله :﴿مّنَ الاسرى﴾ وثالثها : قوله :﴿فِي قُلُوبِكُمْ﴾ ورابعها : قوله :﴿يُؤْتِكُمْ خَيْراً﴾ وخامسها : قوله :﴿مّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ﴾ وسادسها : قوله :﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ فلما دلت هذه الألفاظ الستة على العموم، فما الموجب للتخصيص ؟ أقصى ما في الباب أن يقال : سبب نزول الآية هو العباس، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
أما قوله :﴿إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى :
يجب أن يكون المراد من هذا الخير : الإيمان والعزم على طاعة الله وطاعة رسوله في جميع التكاليف، والتوبة عن الكفر وعن جميع المعاصي، ويدخل فيه العزم على نصرة الرسول، والتوبة عن محاربته.
المسألة الثانية :
احتج هشام بن الحكم على قوله : إنه تعالى لا يعلم الشيء إلا عند حدوثه بهذه الآية، لأن قوله :﴿إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً﴾ فعل كذا وكذا شرط وجزاء، والشرط هو حصول هذا العلم، والشرط والجزاء لا يصح وجودهما إلا في المستقبل، وذلك يوجب حدوث علم الله تعالى.
والجواب : أن ظاهر اللفظ وإن كان يقتضي ما ذكره هشام، إلا أنه لما دل الدليل على أن علم الله يمتنع أن يكون محدثاً وجب أن يقال : ذكر العلم وأراد به المعلوم من حيث إنه يدل حصول العلم على حصول المعلوم.


الصفحة التالية
Icon