وأشار إلى القسمين بأداة البعد لعلو مقامهم وعز مرامهم فقال :﴿أولئك﴾ أي العالو الرتبة ﴿بعضهم أولياء بعض﴾ أي في الميراث دون القرب العاري عن ذلك، فبين أن الإيمان إن لم يقترن بشهيدين هما الهجرة والجهاد من الغرب عن المدينة وشهيدين هما الإيواء والنصرة من أهل المدينة، كان عائقاً عن مطلق القرب بل مانعاً من نفوذ لحمه النسب كل النفوذ، فكأن من آمن ولم يهاجر لم يرث ممن هاجر قاله ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ، ومادة ولي بجميع تصاريفها ترجع إلى الميل، ويلزم منه القرب والبعد، وربما نشأ عن كل منهما الشدة، وترتيب ولي بخصوصه يدور على القرب، ومن لوازمه النصرة، فالمعنى بعضهم أقرباء بعض، يلزم كلاً منهم في حق الآخر من المناصرة وغيره ما يلزم القريب لقريبه، فمتى جمعهم وصف جعلهم شركاء فيما يثمره، فوصف الحضور في غزوة يشرك بينهم في الغنائم، لأن أنواع الجهاد كثيرة، وكل واحد منهم باشر بعضها، فعن حضور الكل نشأت النصرة، والمهاجر في الأصل من فارق الكفار بقلبه ولاواهم، ورافق المؤمنين بحبه ولبه ووالاهم، لكن لما كان هذا قد يخفى، نيط الأمر بالمظنة وهي الدار، لأنها أمر ظاهر، فصار المهاجر من باعد دار المشركين فراراً بدينه، ثم صار شرط ذلك بعد هجرة النبي ـ ﷺ ـ أن تكون النقلة إلى دار هجرته : المدينة الشريفة هذا حكم كل مهاجر إلا ما كان من خزاعة فإن النبي ـ ﷺ ـ كان قد علم من مؤمنهم وكافرهم حبه ونصحه وبغض عدوه فلم يلزم مؤمنهم النقلة ؛ قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر في كتاب المدخل إلى الاستيعاب ؛ ويقال لخزاعة حلفاء رسول الله ـ ﷺ ـ لأنهم حلفاء بني هاشم وقد أدخلهم رسول الله ـ ﷺ ـ في كتاب القضية عام الحديبية - إلى أن قال : وأعطاهم النبي ـ ﷺ ـ منزلة لم يعطها أحداً من الناس أن جعلهم مهاجرين بأرضهم وكتب لهم بذلك كتاباً -