فصل
قال الفخر :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾
اعلم أنه تعالى قسم المؤمنين في زمان الرسول ﷺ إلى أربعة أقسام، وذكر حكم كل واحد منهم، وتقرير هذه القسمة أنه عليه السلام ظهرت نبوته بمكة ودعا الناس هناك إلى الدين، ثم انتقل من مكة إلى المدينة، فحين هاجر من مكة إلى المدينة صار المؤمنون على قسمين منهم من وافقه في تلك الهجرة، ومنهم من لم يوافقه فيها بل بقي هناك.
أما القسم الأول : فهم المهاجرون الأولون، وقد وصفهم بقول :﴿إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وجاهدوا بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ الله﴾ وإنما قلنا إن المراد منهم المهاجرون الأولون لأنه تعالى قال في آخر الآية :﴿والذين ءامَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ﴾ وإذا ثبت هذا ظهر أن هؤلاء موصوفون بهذه الصفات الأربعة : أولها : أنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وقبلوا جميع التكاليف التي بلغها محمد ﷺ ولم يتمردوا، فقوله :﴿إِنَّ الذين﴾ يفيد هذا المعنى.
والصفة الثانية : قوله :﴿وَهَاجَرُواْ﴾ يعني : فارقوا الأوطان، وتركوا الأقارب والجيران في طلب مرضاة الله، ومعلوم أن هذه الحالة حالة شديدة، قال تعالى :﴿أَنِ اقتلوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخرجوا مِن دياركم﴾ [ النساء : ٦٦ ] جعل مفارقة الأوطان معادلة لقتل النفس، فهؤلاء في المرتبة الأولى تركوا الأديان القديمة لطلب مرضاة الله تعالى، وفي المرتبة الثانية تركوا الأقارب والخلان والأوطان والجيران لمرضاة الله تعالى.