وأمر أبا الأسود فوضع النحو، ونحو ذلك في الاهتمام بشأن العربية ما حكاه الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة في كتابه في الأنساب في ترجمة أبي الأسود الدؤلي بسنده إليه أنه قال : دخلت على أمير المؤمنين علي ـ رضى الله عنهم ـ فرأيته مطرقاً مفكراً فقلت : فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ فقال : إني سمعت ببلدكم هذا لحناً، فأردت أن أضع كتاباً في أصول العربية، فقلت له : إن فعلت هذا بقيت فينا هذه اللغة، ثم أتيته بعد أيام فألقى إليّ صحيفة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، الفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل : ثم قال : تتبعه وزد فيه ما وقع لك، واعلم أن الأشياء ثلاثة : ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل الناس في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر، قال أبو الأسود الدؤلي : فجمعت أشياء فعرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها إن وأن وليت ولعل وكأن، ولم أذكر لكن، فقال لي : لم تركتها؟ فقلت : لم أحسبها فيها، فقال بل هي منها فزدها فيها، وقال أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي في طبقات النحويين : وقال أبو العباس محمد بن يزيد : سئل أبو الأسود الدؤلي عمن فتح له الطريق إلى الوضع في النحو وأرشده إليه، فقال : تلقنته من علي بن أبي طالب، وفي حديث آخر : ألقى إليّ أصولاً احتذيت عليها ؛ وفي مختصر طباتهم للحافظ محمد بن عمران المرزباني : كان علي بن أبي طالب ـ رضى الله عنهم ـ قد رسم لأبي الأسود الدؤلي حروفاً يعلمها الناس لما فسدت ألسنتهم فكان لا يحب أن يظهر ذلك ضناً به بعد علي ـ رضى الله عنهم ـ، فلما كان زياد وجه إليه أن عمل شيئاً تكون فيه إماماً وينتفع به الناس فقد كنت شرعت فيه لتصلح ألسنة الناس، فدافع بذلك حتى مر يوماً بكلإ البصرة وإذا قارئ يقرأ ﴿أن الله بريء من المشركين ورسوله﴾ وحتى سمع رجلاً قال :


الصفحة التالية
Icon