وقال أبو حيان :
﴿ إلا الذين عاهدتم من المشركين ﴾
قال قوم : هذا استثناء منقطع، التقدير : لكن الذين عاهدتم فثبتوا على العهد أتموا إليهم عهدهم.
وقال قوم منهم الزجاج : هو استثناء متصل من قوله : إلى الذين عاهدتم من المشركين.
وقال الزمخشري : وجهه أنْ يكون مستثنى من قوله :﴿ فسيحوا في الأرض ﴾ لأنّ الكلام خطاب للمسلمين ومعناه : براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين، فقولوا لهم : سيحوا، إلا الذين عاهدتم منهم، ثم لم ينقضوا فأتموا إليهم عهدهم.
والاستثناء بمعنى الاستدراك، كأنه قيل بعد أنْ أمروا في الناكثين : ولكنّ الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم ولا تجروهم مجراهم، ولا تجعلوا الوفيّ كالغادر.
وقيل : هو استثناء متصل، وقبله جملة محذوفة تقديرها : اقتلوا المشركين المعاهدين إلا الذين عاهدتم، وهذا قول ضعيف جداً، والأظهر أنْ يكون منقطعاً لطول الفصل بجمل كثيرة بين ما يمكن أن يكون مستثنى منه وبينه.
قال مجاهد وغيره : هم قوم كان بينهم وبين الرسول ( ﷺ ) عهد لمدة، فأمر أنْ يفي لهم.
وعن ابن عباس لما قرأ عليَّ براءة قال لبني ضمرة وحي من كنانة وحي من سليم : إنّ الله قد استثناكم ثم قرأ هذه الآية.
والظاهر أنّ قوله : إلى مدتهم، يكون في المدة التي كانت بينهم وبين الرسول أمروا بإتمام العهد إلى تمام المدة.
وعن ابن عباس : كان بقي لحي من كنانة تسعة أشهر، فأتم إليهم عهدهم.
وعنه أيضاً : إلى مدتهم، إلى الأربعة الأشهر التي في الآية.
وهذا بعيد، لأنه يكون الاستثناء لا يفيد تجديد حكم، إذ يكون حكم هؤلاء المستثنين حكم باقي المعاهدين الذين لم يتصفوا بما اتصف به هؤلاء من عدم النقص وعدم المظاهرة.
وقرأ عطاء بن السائب الكوفي وعكرمة، وأبو زيد، وابن السميفع : ينقضوكم بالضاد معجمة وتناسب العهد، وهي بمعنى قراءة الجمهور، لأن من نقص من العهد فقد نقص من الأجل المضروب.