وَيُقَالُ لِهَذَا : هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ هَذَا الْقَارِئُ فَهَبْ أَنَّ الْقَارِئَ لَمْ تُخْلَقْ نَفْسُهُ وَلَا وُجِدَتْ لَا أَفْعَالُهُ وَلَا أَصْوَاتُهُ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ نَفْسُهُ الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَهُ يَعْدَمُ بِعَدَمِهِ وَيَحْدُثُ بِحُدُوثِهِ ؟ فَإِشَارَتُهُ بِالْخَلْقِ إنْ كَانَتْ إلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا الْقَارِئُ مِنْ أَفْعَالِهِ وَأَصْوَاتِهِ فَالْقُرْآنُ غَنِيٌّ عَنْ هَذَا الْقَارِئِ وَمَوْجُودٌ قَبْلَهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدِمِ هَذَا عَدَمُهُ وَإِنْ كَانَتْ إلَى الْكَلَامِ الَّذِي يَتَعَلَّمُهُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْمُنَزَّلُ مِنْ اللَّهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ إلَى مُحَمَّدٍ وَبَلَّغَهُ مُحَمَّدٌ لِأُمَّتِهِ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ فَذَاكَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا لَكَانَ كَلَامًا لِمَحَلِّهِ الَّذِي خُلِقَ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ كَلَامًا لِلَّهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سُبْحَانَهُ إذَا خَلَقَ كَلَامًا كَانَ كَلَامَهُ كَانَ مَا أَنَطَقَ بِهِ كُلَّ نَاطِقٍ كَلَامَهُ مِثْلُ تَسْبِيحِ الْجِبَالِ وَالْحَصَى وَشَهَادَةِ الْجُلُودِ بَلْ كُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ وَهَذَا قَوْلُ الْحُلُولِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : وَكُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُهُ سَوَاءٌ عَلَيْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ وَمِنْ قَالَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ - إمَّا أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ غَيْرَ مُتَكَلِّمٍ بِشَيْءِ أَصْلًا فَيَجْعَلُ الْعِبَادَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَكْمَلَ مِنْهُ وَشَبَّهَهُ بِالْأَصْنَامِ