مِثْلُ مَا فِي الْأَوَّلِ فَيَبْقَى الْمَقْصُودُ بِالْأَوَّلِ مَنْقُولًا مَنْسُوخًا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ نَقْلِ الْأَجْسَامِ وَتَوَابِعِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا نُقِلَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ زَالَ عَنْ الْأَوَّلِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ لَهَا وُجُودٌ فِي أَنْفُسِهَا وَهُوَ وُجُودُهَا الْعَيْنِيُّ وَلَهَا ثُبُوتُهَا فِي الْعِلْمِ ثُمَّ فِي اللَّفْظِ الْمُطَابِقِ لِلْعِلْمِ ثُمَّ فِي الْخَطِّ. وَهَذَا الَّذِي يُقَالُ : وُجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ وَوُجُودٌ فِي الْأَذْهَانِ وَوُجُودٌ فِي اللِّسَانِ وَوُجُودٌ فِي الْبَنَانِ : وُجُودٌ عَيْنِيٌّ وَوُجُودٌ عِلْمِيُّ وَلَفْظِيٌّ وَرَسْمِيٌّ ؛ وَلِهَذَا افْتَتَحَ اللَّهُ كِتَابَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ فَذَكَرَ الْخَلْقَ عُمُومًا وَخُصُوصًا ثُمَّ ذَكَرَ التَّعْلِيمَ عُمُومًا وَخُصُوصًا فَالْخَطُّ يُطَابِقُ اللَّفْظَ وَاللَّفْظُ يُطَابِقُ الْعِلْمَ وَالْعِلْمُ هُوَ الْمُطَابِقُ لِلْمَعْلُومِ. وَمِنْ هُنَا غَلِطَ مَنْ غَلِطَ فَظَنَّ أَنَّ الْقُرْآنَ فِي الْمُصْحَفِ كَالْأَعْيَانِ فِي الْوَرَقِ فَظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ ﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ﴾ كَقَوْلِهِ :﴿ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾ فَجَعَلَ إثْبَاتَ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ فِي الْمَصَاحِفِ كَإِثْبَاتِ الرَّسُولِ فِي الْمَصَاحِفِ وَهَذَا غَلَطٌ : إثْبَاتُ الْقُرْآنِ كَإِثْبَاتِ اسْمِ الرَّسُولِ هَذَا كَلَامٌ وَهَذَا كَلَامٌ وَأَمَّا إثْبَاتُ اسْمِ الرَّسُولِ فَهَذَا