كَلَامُ النَّاسِ الْمَكْتُوبُ حَالٌّ فِي الْمُصْحَفِ أَوْ حَالٌّ فِي قُلُوبِ حَافِظِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ؟ فَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ نَفَتْ الْحُلُولَ كَالْقَاضِي
أَبِي يَعْلَى وَأَمْثَالِهِ وَقَالُوا : ظَهَرَ كَلَامُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَلَا نَقُولُ : حَلَّ ؛ لِأَنَّ حُلُولَ صِفَةِ الْخَالِقِ فِي الْمَخْلُوقِ أَوْ حُلُولَ الْقَدِيمِ فِي الْمُحْدَثِ مُمْتَنِعٌ. وَطَائِفَةٌ أَطْلَقَتْ الْقَوْلَ بِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ حَالٌّ فِي الْمُصْحَفِ كَأَبِي إسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ الهروي - الْمُلَقَّبِ بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ - وَغَيْرِهِ وَقَالُوا : لَيْسَ هَذَا هُوَ الْحُلُولُ الْمَحْذُورُ الَّذِي نَفَيْنَاهُ. بَلْ نُطْلِقُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّحِيفَةِ وَلَا يُقَالُ بِأَنَّ اللَّهَ فِي الصَّحِيفَةِ أَوْ فِي صَدْرِ الْإِنْسَانِ كَذَلِكَ نُطْلِقُ الْقَوْلَ بِأَنَّ كَلَامَهُ حَالٌّ فِي ذَلِكَ دُونَ حُلُولِ ذَاتِهِ وَطَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ كَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِ قَالُوا : لَا نُطْلِقُ الْحُلُولَ نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا لِأَنَّ إثْبَاتَ ذَلِكَ يُوهِمُ انْتِقَالَ صِفَةِ الرَّبِّ إلَى الْمَخْلُوقَاتِ وَنَفْيُ ذَلِكَ يُوهِمُ نَفْيَ نُزُولِ الْقُرْآنِ إلَى الْخَلْقِ فَنُطْلِقُ مَا أَطْلَقَتْهُ النُّصُوصُ وَنُمْسِكُ عَمَّا فِي إطْلَاقِهِ مَحْذُورٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِجْمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ إنْ قُلْتُمْ إنَّ هَذَا نَفْسُ كَلَامِ اللَّهِ فَقَدْ قُلْتُمْ بِالْحُلُولِ وَإِنْ قُلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ قُلْتُمْ بِمَقَالَتِنَا فَجَوَابُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقَالَةَ الْمُنْكَرَةَ هُنَا تَتَضَمَّنُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ فَإِذَا زَالَتْ لَمْ يَبْقَ مُنْكَرٌ.