وقال القرطبى :
﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ﴾
فيه أربع مسائل :
الأُولى قوله تعالى :﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المشركين ﴾ أي من الذين أمرتُك بقتالهم.
﴿ استجارك ﴾ أي سأل جِوارك ؛ أي أمانك وذمامك، فأعطه إيّاه ليسمع القرآن ؛ أي يفهم أحكامه وأوامره ونواهيه.
فإن قَبِل أمراً فحسن، وإن أبَى فردّه إلى مَأْمنه.
وهذا ما لا خلاف فيه، والله أعلم.
قال مالك : إذا وُجد الحربِيّ في طريق بلاد المسلمين فقال : جئت أطلب الأمان.
قال مالك : هذه أُمور مشتبهة، وأرى أن يُردّ إلى مأمنه.
وقال ابن القاسم : وكذلك الذي يوجد وقد نزل تاجراً بساحلنا فيقول : ظننت ألاّ تَعرضوا لمن جاء تاجراً حتى يبيع.
وظاهر الآية إنما هي فيمن يريد سماع القرآن والنظر في الإسلام ؛ فأما الإجارة لغير ذلك فإنما هي لمصلحة المسلمين والنّظر فيما تعود عليهم به منفعته.
الثانية ولا خلاف بين كافة العلماء أن أمان السلطان جائز ؛ لأنه مقدَّم للنظر والمصلحة، نائبٌ عن الجميع في جلب المنافع ودفع المضارّ.
واختلفوا في أمان غير الخليفة ؛ فالحرّ يمضي أمانه عند كافة العلماء.
إلا أن ابن حبيب قال : ينظر الإمام فيه.
وأما العبد فله الأمان في مشهور المذهب ؛ وبه قال الشافعيّ وأصحابه وأحمد وإسحاق والأُوزاعيّ والثوريّ وأبو ثور وداود ومحمد بن الحسن.
وقال أبو حنيفة : لا أمان له ؛ وهو القول الثاني لعلمائنا.
والأوّل أصح ؛ لقوله ﷺ :" المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم " قالوا : فلما قال "أدناهم" جاز أمان العبد، وكانت المرأة الحُرّة أحْرَى بذلك، ولا اعتبار بعلّة "لا يسهم له".
وقال عبد الملك بن الماجِشُون : لا يجوز أمان المرأة إلا أن يجيزه الإمام، فشذّ بقوله عن الجمهور.