وأما الصبيّ فإذا أطاق القتال جاز أمانُه ؛ لأنه من جملة المقاتِلة، ودخل في الفئة الحامية.
وقد ذهب الضّحاك والسُّدّيّ إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله :﴿ فاقتلوا المشركين ﴾.
وقال الحسن : هي مُحْكَمة سُنّة إلى يوم القيامة ؛ وقاله مجاهد.
وقيل : هذه الآية إنما كان حكمها باقياً مدّة الأربعة الأشهر التي ضُربت لهم أجلاً، وليس بشيء.
وقال سعيد بن جُبير : جاء رجل من المشركين إلى عليّ بن أبي طالب فقال : إن أراد الرجل منا أن يأتي محمداً بعد انقضاء الأربعة الأشهر فيسمع كلام الله أو يأتيه بحاجة قُتل! فقال عليّ بن أبي طالب : لا، لأن الله تبارك وتعالى يقول :﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المشركين استجارك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله ﴾.
وهذا هو الصحيح.
والآية مُحْكمة.
الثالثة قوله تعالى :﴿ وَإِنْ أَحَدٌ ﴾ "أَحَدٌ" مرفوع بإضمار فعل كالذي بعده.
وهذا حَسَن في "إنْ" وقبيح في أخواتها.
ومذهب سيبويه في الفرق بين "إن" وأخواتها، أنها لما كانت أُمّ حروف الشرط خُصّت بهذا، ولأنها لا تكون في غيره.
وقال محمد بن يزيد : أما قوله :"لأنها لا تكون في غيره" فغلط ؛ لأنها تكون بمعنى ( ما ) ومخففة من الثقيلة ولكنها مبهمة، وليس كذا غيرها.
وأنشد سيبويه :
لا تَجْزِعي إن مُنْفِساً أهلكْتُه...
وإذا هلكتُ فعند ذلك فاجْزَعي
الرابعة قال العلماء : في قوله تعالى :﴿ حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله ﴾ دليلٌ على أن كلام الله عز وجل مسموع عند قراءة القارىء ؛ قاله الشيخ أبو الحسن والقاضي أبو بكر وأبو العباس القلانسي وابن مجاهد وأبو إسحاق الإسْفرايني وغيرهم ؛ لقوله تعالى :﴿ حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله ﴾.
فنصّ على أن كلامه مسموع عند قراءة القارىء لكلامه.
ويدلّ عليه إجماع المسلمين على أن القارىء إذا قرأ فاتحة الكتاب أو سورة قالوا : سمعنا كلام الله.
وفرّقوا بين أن يُقرأ كلام الله تعالى وبين أن يُقرأ شعر امرىء القيس.
وقد مضى في سورة "البقرة" معنى كلام الله تعالى، وأنه ليس بحرف ولا صوت، والحمد لله. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٨ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon