وقال أبو حيان :
﴿ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ﴾
قال الضحاك والسدّي : هي منسوخة بآية الأمر بقتل المشركين.
وقال الحسن ومجاهد : هي محكمة إلى يوم القيامة.
وعن ابن جبير : جاء رجل إلى علي رضي الله عنه فقال : إنْ أراد الرجل منا أنْ يأتي محمداً بعد انقضاء هذا الأجل ليسمع كلام الله، أو يأتيه لحاجة قتل؟ قال : لا، لأن الله تعالى قال : وإن أحد من المشركين استجارك الآية انتهى.
وقيل : هذه الآية إنما كان حكمها مدة الأربعة الأشهر التي ضربت لهم أجلاً، والظاهر أنها محكمة.
ولما أمر تعالى بقتل المشركين حيث وجدوا، وأخذهم وحصرهم وطلب غرتهم، ذكر لهم حالة لا يقتلون فيها ولا يؤخذون ويؤسرون، وتلك إذا جاء واحد منهم مسترشداً طالباً للحجة والدلالة على ما يدعوا إليه من الدين.
فالمعنى : وإنْ أحد من المشركين استجارك، أي طلب منك أن تكون مجيراً له وذلك بعد انسلاخ الأشهر ليسمع كلام الله وما تضمنه من التوحيد، ويقف على ما بعثت به، فكن مجيراً له حتى يسمع كلام الله ويتدبره، ويطلع على حقيقة الأمر، ثم أبلغه داره التي يأمن فيها إنْ لم يسلم، ثم قاتله إن شئت من غير غدر ولا خيانة.
وحتى يصح أن تكون للغاية أي : إلى أن يسمع.
ويصح أن تكون للتعليل، وهي متعلقة في الحالين بأجره.
ولا يصح أن يكون من باب التنازع، وإن كان يصح من حيث المعنى أن يكون متعلقاً باستجارك أو بفأجره، وذلك لمانع لفظي وهو : أنه لو أعمل الأول لأضمر في الثاني، وحتى لا تجر المضمر، فلذلك لا يصح أن يكون من باب التنازع.
لكن من ذهب من النحويين إلى أنّ حتى تجر المضمر يجوز أن يكون ذلك عنده من باب التنازع، وكون حتى لا تجر المضمر هو مذهب الجمهور.
ولما كان القرآن أعظم المعجزات، علق السماع به، وذكر السماع لأنه الطريق إلى الفهم.


الصفحة التالية
Icon