مَا تَذَكَّرُونَ } ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ أَضَافَهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ بَلَّغَهُ وَأَدَّاهُ لَا لِأَنَّهُ أَحْدَثَهُ وَأَنْشَأَهُ فَإِنَّهُ قَالَ :﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ فَجَمَعَ بَيْنَ قَوْلِهِ :﴿ إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ وَبَيْنَ قَوْلِهِ :﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ وَالضَّمِيرَانِ عَائِدَانِ إلَى وَاحِدٍ فَلَوْ كَانَ الرَّسُولُ أَحْدَثَهُ وَأَنْشَأَهُ لَمْ يَكُنْ تَنْزِيلًا مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ؛ بَلْ كَانَ يَكُونُ تَنْزِيلًا مِنْ الرَّسُولِ. وَمَنْ جَعَلَ الضَّمِيرَ فِي هَذَا عَائِدًا إلَى غَيْرِ مَا يَعُودُ إلَيْهِ الضَّمِيرُ الْآخَرُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَقْتَضِي اخْتِلَافَ الضَّمِيرَيْنِ وَمَنْ قَالَ إنَّ هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ - فَقُلْ لَهُ : هَذَا الَّذِي تَقْرَؤُهُ أَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِبَارَةِ الَّتِي أَحْدَثَهَا الرَّسُولُ الْمَلَكُ أَوْ الْبَشَرُ عَلَى زَعْمِك ؟ أَمْ هُوَ نَفْسُ تِلْكَ الْعِبَارَةِ ؟ فَإِنْ جَعَلْت هَذَا عِبَارَةً عَنْ تِلْكَ الْعِبَارَةِ جَازَ أَنْ تَكُونَ عِبَارَةُ جِبْرِيلَ أَوْ الرَّسُولِ عِبَارَةً عَنْ عِبَارَةِ اللَّهِ وَحِينَئِذٍ فَيَبْقَى النِّزَاعُ لَفْظِيًّا ؛ فَإِنَّهُ مَتَى قَالَ إنَّ مُحَمَّدًا سَمِعَهُ مِنْ جِبْرِيلَ جَمِيعَهُ وَجِبْرِيلَ سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ جَمِيعَهُ وَالْمُسْلِمُونَ سَمِعُوهُ مِنْ الرَّسُولِ جَمِيعَهُ فَقَدْ قَالَ الْحَقَّ - وَبَعْدَ هَذَا فَقَوْلُهُ عِبَارَةٌ لِأَجْلِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ التَّبْلِيغِ وَالْمُبَلَّغِ عَنْهُ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ. وَإِنْ قُلْت : لَيْسَ هَذَا عِبَارَةً عَنْ تِلْكَ الْعِبَارَةِ بَلْ هُوَ نَفْسُ تِلْكَ