وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ﴾
قال الزجاج : المعنى : كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم، فحذف ذلك، لأنه قد سبق، قال الشاعر :
وخَبَّرُتماني أنَّما الموتُ بالقُرى...
فكيفَ وهذي هضبةٌ وقليبُ
أي : فكيف مات وليس بقرية؟ ومثله قول الحطيئة :
فكيف ولم أَعْلَمْهُمُ خذلوكُمُ...
على مُعظَمٍ ولا أديمَكُمُ قَدُّوا
أي : فكيف تلومونني على مدح قوم؟ واستغنى عن ذكر ذلك، لأنه قد جرى في القصيدة ما يدل على ما أضمر.
وقوله :﴿ يظهروا ﴾ يعني : يقدروا ويظفروا.
وفي قوله :﴿ لا يرقبوا ﴾ ثلاثة أقوال.
أحدها : لا يحفظوا.
والثاني : لا يخافوا، قاله السدي.
والثالث : لا يراعوا، قاله قطرب.
وفي الإلِّ خمسة أقوال.
أحدها : أنه القرابة، رواه جماعة عن ابن عباس، وبه قال الضحاك، والسدي، ومقاتل، والفراء، وأنشدوا :
إنَّ الوشاة كثيرٌ إن أطعتهمُ...
لا يرقبون بنا إلاً ولا ذِمَمَا
وقال الآخر :
لعَمْرُكَ إنَّ إلَّكَ مِنْ قُرَيش...
كالِّ السَّقْبِ من رَأْلِ النَّعامِ
والثاني : أنه الجوار، قاله الحسن.
والثالث : أنه الله تعالى، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال عكرمة.
والرابع : أنه العهد، رواه خصيف عن مجاهد، وبه قال ابن زيد، وأبو عبيدة.
والخامس : أنه الحِلْف، قاله قتادة.
وقرأ عبد الله بن عمرو، وعكرمة، وأبو رجاء، وطلحة بن مصرّف :﴿ إيلاً ﴾ بياء بعد الهمزة.
وقرأ ابن السميفع، والجحدري :﴿ ألاً ﴾ بفتح الهمزة وتشديد اللام.
وفي المراد بالذمة ثلاثة أقوال.
أحدها : أنها العهد، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، والضحاك في آخرين.
والثاني : التذمم ممن لا عهد له، قاله أبو عبيدة، وأنشد :
لاَ يَرْقُبُوْنَ بِنَا إلاً ولا ذِمَمَا...
والثالث : الأمان، قاله اليزيدي، واستشهد بقوله :﴿ ويسعى بذمتهم أدناهم ﴾.


الصفحة التالية
Icon