وقال أبو السعود :
﴿ أَلاَ تقاتلون ﴾
الهمزةُ الداخلةُ على انتفاء مقاتَلتِهم للإنكار والتوبيخِ تدل على تخصيصهم على المقاتلة بطريق حملِهم على الإقرار بانتفائها كأنه أمرٌ لا يمكن أن يُعترف به طائعاً لكمال شناعتِه فيلجأون إلى ذلك ولا يقدرون على الإقرار به فيختارون المقاتلة ﴿ قَوْماً نَّكَثُواْ أيمانهم ﴾ التي حلَفوها عند المعاهدة على أن لا يعاوِنوا عليهم فعاوَنوا بني بكرٍ على خُزاعة ﴿ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرسول ﴾ من مكةَ حين تشاوروا في أمره بدار الندوة حسبما ذكر في قوله تعالى ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ ﴾ فيكون نعياً عليهم جنايتُهم القديمةُ وقيل : هم اليهودُ نكثوا عهدَ الرسولِ ﷺ وهموا بإخراجه من المدينة ﴿ وَهُم بَدَءوكُمْ ﴾ بالمعاداة والمقاتلة ﴿ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ لأن رسولَ الله ﷺ جاءهم أولاً بالكتاب المبين وتحداهم به فعدلوا عن المُحاجّة لعجزهم عنها إلى المقاتلة أو بدءوا بقتال خزاعةَ حلفاءِ النبي ﷺ لأن إعانة بني بكر عليهم قتالٌ معهم ﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ ﴾ أي أتخشون أن ينالَكم منهم مكروهٌ حتى تتركوا قتالَهم، وبّخهم أولاً بترك مقاتلتِهم وحضَّهم عليها ثم وصفهم بما يوجب الرغبةَ فيها ويحقق أن مَنْ كان على تلك الصفاتِ السيئةِ حقيقٌ بأن لا تترك مصادمتُه ويوبَّخَ من فرّط فيها ﴿ فالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ ﴾ بمخالفة أمرِه وترك قتالِ أعدائهِ ﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ فإن قضيةَ الإيمانِ تخصيصُ الخشيةِ به تعالى وعدمُ المبالاة بمن سواه وفيه من التشديد ما لا يخفى. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٤ صـ ﴾