فصل
قال الفخر :
﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾
اعلم أنه تعالى لما قال في الآية الأولى :﴿أَلاَ تقاتلون قَوْماً﴾ ذكر عقيبه سبعة أشياء كل واحد منها يوجب إقدامهم على القتال.
ثم إنه تعالى في هذه الآية أعاد الأمر بالقتال وذكر في ذلك القتال خمسة أنواع من الفوائد، كل واحد منها يعظم موقعه إذا انفرد فكيف بها إذا اجتمعت ؟ فأولها : قوله :﴿يُعَذّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ﴾ وفيه مباحث :
البحث الأول : أنه تعالى سمى ذلك عذاباً وهو حق فإنه تعالى يعذب الكافرين فإن شاء عجله في الدنيا وإن شاء أخره إلى الآخرة.
البحث الثاني : أن المراد من هذا التعذيب القتل تارة والأسر أخرى واغتنام الأموال ثالثاً، فيدخل فيه كل ما ذكرناه.
فإن قالوا : أليس أنه تعالى قال :﴿وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ] فكيف قال ههنا :﴿يُعَذّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ ﴾.
قلنا : المراد من قوله :﴿وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ عذاب الاستئصال، والمراد من قوله :﴿يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ﴾ عذاب القتل والحرب، والفرق بين البابين أن عذاب الاستئصال قد يتعدى إلى غير المذنب وإن كان في حقه سبباً لمزيد الثواب، أما عذاب القتل فالظاهر أنه يبقى مقصوراً على المذنب.