ونعلم أن الحق سبحانه وتعالى قد عذَّب الأمم السابقة بتلك الوسائل، فكان على الرسول من السابقين على رسول الله محمد ﷺ أن يبلغ الرسالة، وإن لم يؤمن قومه برسالته تتدخل السماء ضدهم بألوان العذاب السابقة. ولكن الحق تبارك وتعالى أمر محمدا ﷺ وأمته من بعده أن تدعو لدين الله، وتؤدب من يختصم الإيمان، ويدخل في عداوة مع المؤمنين فمنهم من يفر أو يقع في الأسر ويبقى الطفل والمرأة دون تعذيب.
﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ ﴾ [ التوبة : ١٤ ].
وما الفرق بين العذاب والخزي؟ نقول : قد نجد واحدا له كِبْرٌ وجَلَدٌ، وإن أصابه العذاب فهو يتحمله ولا يظهر الفزع أو الخوف أو الضعف، ويمنعه كبرياؤه الذاتي من أن يتأوه، ولمثل ذلك هناك عذاب آخر هو الخزي، والخزي أقسى على النفس من العذاب ؛ لأن معناه الفضيحة، كأن يكون هناك إنسان له مهابة في الحي الذي يسكن فيه، مثل فتوة الحي، ثم يأتي شاب ويدخل معه في مشاجرة أمام الناس ويلقيه على الأرض، هذا الإلقاء لا يعذبه ولا يؤلمه، وإنما يخزيه ويفضحه أمام الناس، بحيث لا يستطيع أن يرفع رأسه بين الناس مرة أخرى، والخزي هنا أشد إيلاما لنفسه من العذاب. ولا يريد سبحانه أن يعذب الكفار بأيدي المؤمنين فقط، بل يريد لهم الافتضاح أيضا، بحيث لا يستطيعون أن يرفعوا رءوسم. وجاء الحق سبحانه وتعالى بنتيجة ثالثة لهذا القتال فقال :
﴿ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ﴾ [ التوبة : ١٤ ].
وعلى هذا فعندما يقاتل المؤمنون الكفار يصيب الكفارَ العذاب والخزي والهزيمة. إذن ﴿ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ ﴾ مرحلة، ﴿ وَيُخْزِهِمْ ﴾، مرحلة ثانية ﴿ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ﴾ مرحلة ثالثة، ثم تأتي المرحلة الرابعة :
﴿ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [ التوبة : ١٤ ].


الصفحة التالية
Icon