وقال أبو السعود :
﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ﴾
﴿ كَيْفَ ﴾ تكريرٌ لاستنكار ما مر من أن يكون للمشركين عهدٌ حقيقٌ بالمراعاة عند الله سبحانه وعند رسولِه ﷺ، وأما ما قيل من أنه لاستبعاد ثباتِهم على العهد فكما ترى لأن ما يُذكر بصدد التعليلِ للاستبعاد عينُ عدمِ ثباتِهم على العهد لا أنه شيءٌ يستدعيه، وإنما أعيد الاستنكارُ والاستبعادُ تأكيداً لهما وتمهيداً لتعداد العللِ الموجبةِ لهما لإخلال تخلّلِ ما في البين من الارتباط والتقريب، وحذفُ الفعل المستنكَر للإيذان بأن النفسَ مستحضِرةٌ له مترقِّبةٌ لورود ما يوجب استنكارَه لا لمجرد كونِه معلوماً كما في قوله :
وخبّرتماني أنما الموتُ بالقُرى... فكيف وهاتا هضبةٌ وقليبُ
فإنه علةٌ مصححةٌ لا مرجِّحةٌ أي كيف يكون لهم عهدٌ متعدٌّ به عند الله تعالى وعند رسولِه ﷺ ﴿ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ﴾ أي وحالُهم أنهم إن يظهروا عليكم أي يظفَروا بكم ﴿ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ ﴾ أي لا يُراعوا في شأنكم، وأصلُ الرقوبِ النظرُ بطريق الحفظِ والرعايةِ ومنه الرقيبُ ثم استُعمل في مطلق الرعايةِ، والمراقبةُ أبلغُ منه كالمراعاة، وفي نفي الرقوبِ من المبالغة ما ليس في نفيها ﴿ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ﴾ أي حِلفاً وقيل : قرابةً ولا عهداً، أو حقاً يُعاب على إغفاله مع ما سبق لهم من تأكيد الأَيمان والمواثيقِ، يعني أن وجوبَ مراعاةِ حقوقِ العهد على كل من المتعاهدين مشروطٌ بمراعاة الآخَر لها فإذا لم يُراعِها المشركون فكيف تراعونها؟ على منوال قولِ من قال :
علامَ تُقبلُ منهم فديةٌ وهم... لا فضةً قبِلوا منّا ولا ذهبا


الصفحة التالية
Icon