إنه لا بد أن نلاحظ في التفصيل هنا المراحل الإيمانية التي بينها الله عز وجل لنا ؛ المرحلة الأولى وهي تحمل الاضطهاد والصبر، والمرحلة الثانية أنه لا مهادنة بين الإيمان والكفر، وهذه حسمت محاولة الكفار تمييع قضية الإيمان بأن نعبد إلهكم فترة وتعبدون إلهنا فترة، وكانت هذه عملية مرفوضة تماماً الآن وفي المستقبل وحتى قيام الساعة. ثم جاءت مرحلة المعاهدات ثم نقض العهود ثم مهلة الأشهر الأربعة الحرم التي أعطيت للكافرين. وكل هذه مسائل مقننة، ولم تكن الأمة العربية تعرف التقنينات.
إذن فكل هذه التقنينات جاءت من السماء، والتقنينات في الأمم تأخذ أدوارا طويلة، ولا يوجد قانون بشري يولد سليماً وكاملا، بل كل قانون يوضع ثم تظهر له عيوب في التطبيق، فيعدّل ويطور ويفسر ويحتاج إلى أساطين القانون الذين يقضون عمرهم كله في التعديلات والتفصيلات، فكيف ترتب هذه الأمة العربية الأمية التي لم يكن لها حظ من علم ولا ثقافة كل هذه التقنينات؟.
نقول : إنها لم ترتب، وإنما رتب لها ربها الذي أحاط بكل شيء علماً، فكل هذه المراحل التي مر بها الإيمان نزلت فيها تقنينات من السماء تبين للمؤمنين ما يجب أن يفعلوه.
﴿ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاوة وَآتَوُاْ الزكاوة فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدين ﴾ [ التوبة : ١١ ].
ونحن عادة نعرف أخوة النسب، فهذا أخي من أبي وأمي، أو هذا أخي من الأب فقط، أو هذا من الأم فقط، وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى :﴿ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ ﴾ [ يوسف : ٥٨ ].
هذه أخوة النسب، ونحن نعلم أن مادة الأخوة تأتي مرة لتعبر عن أخوة النسب، وتأتي مرة كلمة " إخوان " لتعبر عن الأخوة في المذهب والعقيدة، وشاء الحق سبحانه وتعالى أن يرفع الإيمان إلى مرتبة النسب، فقال عز وجل :﴿ إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ ﴾ [ الحجرات : ١٠ ].


الصفحة التالية
Icon