وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو :"مسجد الله" على التوحيد، ﴿ إنما يعمر مساجدَ الله ﴾ على الجمع.
وقرأ عاصم، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي : على الجمع فيهما.
وسبب نزولها : أن جماعة من رؤساء قريش أُسروا يوم بدر فيهم العباس بن عبد المطلب، فأقبل عليهم نفر من أصحاب رسول الله ﷺ فعيَّروهم بالشِّرك، وجعل علي بن أبي طالب يوبِّخُ العباس بقتال رسول الله ﷺ وقطيعة الرحم، فقال العباس : مالكم تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟ فقالوا : وهل لكم من محاسن؟ قالوا : نعم، لنحن أفضل منكم أجراً ؛ إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل في جماعة.
وفي المراد بالعِمارة قولان.
أحدهما : دخوله والجلوس فيه.
والثاني : البناء له وإصلاحه ؛ فكلاهما محظور على الكافر.
والمراد من قوله :﴿ ما كان للمشركين ﴾ أي : يجب على المسلمين منعُهم من ذلك.
قال الزجاج : وقوله ﴿ شاهدين ﴾ حال.
المعنى : ما كانت لهم عمارته في حال إقرارهم بالكفر، ﴿ أولئك حبطت أعمالهم ﴾ لأن كفرهم أذهب ثوابها.
فإن قيل : كيف يشهدون على أنفسهم بالكفر، وهم يعتقدون أنهم على الصواب؟ فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها : أنه قول اليهودي : أنا يهودي، وقول النصراني : أنا نصراني، قاله السدي.
والثاني : أنهم ثبَّتوا على أنفسهم الكفر بعدولهم عن أمر النبي ﷺ، وهو حق لا يخفى على مميِّز، فكانوا بمنزلة من شهد على نفسه.