وقال أبو حيان :
﴿ ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ﴾
قرأ ابن السميفع : أنْ يُعمِروا بضم الياء وكسر الميم، أن يعينوا على عمارته.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والجحدري : مسجد بالإفراد، وباقي السبعة ومجاهد وقتادة وأبو جعفر والأعرج وشبية بالجمع.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر البراءة من المشركين وأنواعاً من قبائحهم توجب البراءة منهم، ذكروا أنهم موصوفون بصفات حميدة توجب انتفاء البراءة منها كونهم عامري المسجد الحرام.
روي أنه أقبل المهاجرون والأنصار على أسارى بدر يعيرونهم بالشرك، وطفق عليّ يوبخ العباس، فقال الرسول : واقطيعة الرحم، وأغلظ له في القول.
فقال العباس : تظهرون مساوينا، وتكتمون محاسننا؟ فقال : أو لكم محاسن؟ قالوا : نعم، ونحن أفضل منكم أجراً، إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني، فأنزل الله هذه الآية رداً عليهم.
ومعنى ما كان للمشركين : أي بالحق الواجب، وإلا فقد عمروه قديماً وحديثاً على سبيل التغلب.
وقال الزمخشري : أي ما صح وما استقام انتهى.
وعمارته وحوله والقعود فيه والمكث من قولهم : فلان يعمر المسجد أي يكثر غشيانه، أو رفع بنائه، وإصلاح ما تهدّم منه، أو التعبد فيه، والطواف به.
والصلاة ثلاثة أقوال.
ومن قرأ بالإفراد فيحتمل أن يراد به المسجد الحرام لقوله :﴿ وعمارة المسجد الحرام ﴾ أو الجنس فيدخل تحته المسجد الحرام، إذ هو صدر ذلك الجنس مقدّمته.
ومن قرأ بالجمع فيحتمل أنْ يراد به المسجد الحرام، وأطلق عليه الجمع إما باعتبار أنّ كل مكان منه مسجد، وإما لأنه قبلة المساجد كلها وإمامها، فكان عامره عامر المساجد.
ويحتمل أن يراد الجمع، فيدخل تحته المسجد الحرام وهو آكد، لأن طريقته طريقة الكناية كما لو قلت : فلان لا يقرأ كتب الله، كنت أنفي لقراءة القرآن من تصريحك بذلك.


الصفحة التالية
Icon