وقال أبو حيان :
﴿ أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ﴾
تقدّم تفسير نظير هذه الجملة، والمعنى : أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين الخلَّص منكم وهم المجاهدون في سبيل الله الذين لم يتخذوا بطانة من دون الله من غيرهم.
﴿ ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ﴾ ولم يتخذوا معطوف على جاهدوا.
غير متخذين وليجة، والوليجة فعيلة من ولج كالدخيلة من دخل، وهي البطانة.
والمدخل يدخل فيه على سبيل الاستسرار، شبه النفاق به.
وقال قتادة : الوليجة الخيانة.
وقال الضحاك : الخديعة.
وقال عطاء : الأودّاء.
وقال الحسن : الكفر والنفاق.
وقال أبو عبيدة : كل شيء أدخلته في شيء وليس منه فهو وليجة، والرجل يكون في القوم وليس منهم، وليجة يكون للواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد.
وليجة الرجل من يختص بدخيلة أمره من الناس، وجمعها ولائج وولج، كصحيفة وصحائف وصحف.
وقال عبادة بن صفوان الغنوي :
ولائجهم في كل مبدي ومحضر...
إلى كل من يرجى ومن يتخوف
وفي هذه الآية طعن على المنافقين الذين اتخذوا الولائج لا سيما عند فرض القتال، والمعنى : لا بد من اختباركم أيها المؤمنون كقوله :﴿ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ﴾ ولما كان الرجل قد يجاهد وهو منافق نفى هذا الوصف عنه، فبين أنه لا بد للجهاد من الإخلاص خالياً عن النفاق والرياء والتودّد إلى الكفار.
﴿ والله خبير بما تعلمون ﴾ قرأ الجمهور بالتاء على الخطاب مناسبة لقوله : أم حسبتم.
وقرأ الحسن ويعقوب في رواية رويس وسلام بالياء على الغيبة التفاتاً. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon