الْعَدْلِ فِي أَعْمَالِ غَيْرِهِمْ، أَيْ : لَيْسَ مِنْ سُنَّتِهِ فِي أَخْلَاقِ الْبَشَرِ وَأَعْمَالِهِمْ أَنْ يَكُونَ الظَّالِمُ مُهْدِيًا إِلَى مَا هُوَ ضِدُّ صِفَةِ الظُّلْمِ، وَمُنَافٍ لَهَا وَهُوَ الْحَقُّ وَالْعَدْلُ ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ ضِدَّيْنِ بِمَعْنَى النَّقِيضَيْنِ، وَالْقَوْمُ الظَّالِمُونَ أَشَدُّ إِسْرَافًا فِي الظُّلْمِ مِنَ الْأَفْرَادِ، وَأَبْعَدُ عَنِ الْهُدَى بِغُرُورِهِمْ بِقُوَّتِهِمْ وَتَنَاصُرِهِمْ. وَمِنْ أَقْبَحِ هَذَا الظُّلْمِ تَفْضِيلُ خِدْمَةِ حِجَارَةِ الْبَيْتِ، وَحِفْظِ مِفْتَاحِهِ، وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ الْمُطَهِّرِ لِلْأَنْفُسِ مِنْ خُرَافَاتِ الشِّرْكِ وَأَوْهَامِهِ - وَالْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الَّذِي يَزَعُهَا أَنْ تَبْغِيَ وَتَظْلِمَ، وَيُحَبِّبَ إِلَيْهَا الْحَقَّ وَالْعَدْلَ، وَيُرَغِّبَهَا فِي الْخَيْرِ وَعَمَلِ الْبِرِّ، ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ لَا لِلْفَخْرِ وَالرِّيَاءِ - وَعَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ، لِإِحْقَاقِ الْحَقِّ وَإِبْطَالِ الْبَاطِلِ، وَتَرْقِيَةِ شُئُونِ الْبَشَرِ فِي مَدَارِجِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الْجِهَادَ يَشْمَلُ الْقِتَالَ وَالنَّفَقَةَ فِيهِ وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ مُجَاهَدَةِ الْكُفَّارِ، وَمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، لِإِبْلَاغِهَا مَقَامَ الْكَمَالِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَإِبْطَالِ تَبَجُّحِهِمْ وَفَخْرِهِمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.


الصفحة التالية
Icon