وقال أبو حيان :
﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبآءكم وإخوانكم أوليآء إن استحبوا الكفر على الإيمان ﴾
كان قبل فتح مكة من آمن لم يتم إيمانه إلا بأن يهاجر ويصادم أقاربه الكفرة ويقطع موالاتهم، فقالوا : يا رسول الله، إنْ نحن اعتزلنا من يخالفنا في الدين قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشائرنا، وذهبت كادتنا وهلكت أموالنا، وخرجت ديارنا، ويقينا ضائعين، فنزلت.
فهاجروا فجعل الرجل يأتيه ابنه أو أبوه أو أخوه أو بعض أقاربه فلا يلتفت إليه ولا ينزله ولا ينفق عليه، ثم رخص لهم بعد ذلك.
فعلى هذا الخطاب للمؤمنين الذين كانوا بمكة وغيرها من بلاد العرب خوطبوا أن لا يوالوا الآباء والإخوة، فيكونوا لهم تبعاً في سكنى بلاد الكفر.
وقيل : نزلت في التسعة الذين ارتدوا ولحقوا بمكة، فنهى الله المؤمنين عن موالاتهم.
وذكر الآباء والإخوان لأنهم أهل الرأي والمشورة، ولم يذكر الأبناء لأنهم في الغالب تبع لآبائهم.
وقرأ عيسى بن عمران : استحبوا بفتح الهمزة جعله تعليلاً، وغيره بكسر الهمزة جعله شرطاً.
ومعنى استحبوا : آثروا وفضلوا، استفعل من المحبة أي طلبوا محبة الكفر.
وقيل : بمعنى أحب.
وضمن معنى اختار وآثر، ولذلك عديَ بعلى.
ولما نهاهم عن اتخاذهم أولياء أخبر أن من تولاهم فهو ظالم، فقال ابن عباس : هو مشرك مثلهم، لأنّ من رضي بالشرك فهو مشرك.
قال مجاهد : وهذا كله كان قبل فتح مكة.
وقال ابن عطية : وهذا ظلم المعصية لا ظلم الكفر. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٥ صـ ﴾