فصل


قال الفخر :
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ﴾
اعلم أن هذه الآية هي تقرير الجواب الذي ذكره في الآية الأولى، وذلك لأن جماعة من المؤمنين قالوا يا رسول الله، كيف يمكن البراءة منهم بالكلية ؟ وأن هذه البراءة توجب انقطاعنا عن آبائنا وإخواننا وعشيرتنا وذهاب تجارتنا، وهلاك أموالنا وخراب ديارنا، وإبقاءنا ضائعين فبين تعالى أنه يجب تحمل جميع هذه المضار الدنيوية ليبقى الدين سليماً، وذكر أنه إن كانت رعاية هذه المصالح الدنيوية عندكم أولى من طاعة الله وطاعة رسوله ومن المجاهدة في سبيل الله، فتربصوا بما تحبون حتى يأتي الله بأمره، أي بعقوبة عاجلة أو آجلة، والمقصود منه الوعيد.
ثم قال :﴿والله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين﴾ أي الخارجين عن طاعته إلى معصيته وهذا أيضاً تهديد، وهذه الآية تدل على أنه إذا وقع التعارض بين مصلحة واحدة من مصالح الدين وبين جميع مهمات الدنيا، وجب على المسلم ترجيح الدين على الدنيا.
قال الواحدي : قوله :﴿وَعَشِيرَتُكُمْ﴾ عشيرة الرجل : أهله الأدنون، وهم الذين يعاشرونه، وقرأ أبو بكر عن عاصم ﴿وعشيراتكم﴾ بالجمع والباقون على الواحد.
أما من قرأ بالجمع، فذلك لأن كل واحد من المخاطبين له عشيرة، فإذا جمعت قلت : عشيراتكم.
ومن أفرد قال العشيرة واقعة على الجمع واستغنى عن جمعها، ويقوي ذلك أن الأخفش قال : لا تكاد العرب تجمع عشيرة على عشيرات إنما يجمعونها على عشائر، وقوله :﴿وأموال اقترفتموها﴾ الاقتراف الاكتساب.
واعلم أنه تعالى ذكر الأمور الداعية إلى مخالطة الكفار، وهى أمور أربعة : أولها : مخالطة الأقارب، وذكر منهم أربعة أصناف على التفصيل وهم الآباء والأبناء والأخوان والأزواج، ثم ذكر البقية بلفظ واحد يتناول الكل، وهي لفظ العشيرة.
وثانيها : الميل إلى إمساك الأموال المكتسبة.


الصفحة التالية
Icon