واللطيفة الثانية من لطائف هذه الآية هي أنه تعالى قال :﴿يُبَشّرُهُمْ رَبُّهُم﴾ وهي مشتملة على أنواع من الرحمة والكرامة.
أولها : أن البشارة لا تكون إلا بالرحمة والإحسان.
والثاني : أن بشارة كل أحد يجب أن تكون لائقة بحاله، فلما كان المبشر ههنا هو أكرم الأكرمين، وجب أن تكون البشارة بخيرات تعجز العقول عن وصفها وتتقاصر الأفهام عن نعتها.
والثالث : أنه تعالى سمى نفسه ههنا بالرب وهو مشتق من التربية كأنه قال : الذي رباكم في الدنيا بالنعم التي لا حد لها ولا حصر لها يبشركم بخيرات عالية وسعادات كاملة.
والرابع : أنه تعالى قال :﴿رَّبُّهُمْ﴾ فأضاف نفسه إليهم، وما أضافهم إلى نفسه.
والخامس : أنه تعالى قدم ذكرهم على ذكر نفسه فقال :﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم﴾ والسادس : أن البشارة هي الإخبار عن حدوث شيء ما كان معلوم الوقوع، أما لو كان معلوم الوقوع لم يكن بشارة، ألا ترى أن الفقهاء قالوا : لو أن رجلاً قال من يبشرني من عبيدي بقدوم ولدي فهو حر، فأول من أخبر بذلك الخبر يعتق، والذين يخبرون بعده لا يعتقون وإذا كان الأمر كذلك فقوله :﴿يُبَشِّرُهُمْ﴾ لا بد أن يكون إخباراً عن حصول مرتبة من مراتب السعادات ما عرفوها قبل ذلك، وجميع لذات الجنة وخيراتها وطيباتها قد عرفوه في الدنيا من القرآن، والإخبار عن حصول بشارة فلا بد وأن تكون هذه البشارة بشارة عن سعادات لا تصل العقول إلى وصفها ألبتة.
رزقنا الله تعالى الوصول إليها بفضله وكرمه.


الصفحة التالية
Icon