واحتج القاضي على طهارتهم بما روي أن النبي ﷺ شرب من أوانيهم، وأيضاً لو كان جسمه نجساً لم يبدل ذلك بسبب الإسلام.
والقائلون بالقول الأول أجابوا عنه : بأن القرآن أقوى من خبر الواحد، وأيضاً فبتقدير صحة الخبر وجب أن يعتقد أن حل الشرب من أوانيهم كان متقدماً على نزول هذه الآية وبيانه من وجهين : الأول : أن هذه السورة من آخر ما نزل من القرآن وأيضاً كانت المخالطة مع الكفار جائزة فحرمها الله تعالى، وكانت المعاهدات معهم حاصلة فأزالها الله، فلا يبعد أن يقال أيضاً الشرب من أوانيهم كان جائزاً فحرمه الله تعالى.
الثاني : أن الأصل حل الشرب من أي إناء كان، فلو قلنا : إنه حرم بحكم الآية ثم حل بحكم الخبر فقد حصل نسخان.
أما إذا قلنا : إنه كان حلالاً بحكم الأصل، والرسول شرب من آنيتهم بحكم الأصل، ثم جاء التحريم بحكم هذه الآية لم يحصل النسخ إلا مرة واحدة، فوجب أن يكون هذا أولى.
أما قول القاضي : لو كان الكافر نجس الجسم لما تبدلت النجاسة بالطهارة بسبب الإسلام فجوابه أنه قياس في معارضة النص الصريح، وأيضاً أن أصحاب هذا المذهب يقولون إن الكافر إذا أسلم وجب عليه الاغتسال إزالة للنجاسة الحاصلة بحكم الكفر، فهذا تقرير هذا القول، وأما جمهور الفقهاء فإنهم حكموا بكون الكافر طاهراً في جسمه، ثم اختلفوا في تأويل هذه الآية على وجوه : الأول : قال ابن عباس وقتادة : معناه أنهم لا يغتسلون من الجنابة ولا يتوضؤن من الحدث.
الثاني : المراد أنهم بمنزلة الشيء النجس في وجوب النفرة عنه، الثالث : أن كفرهم الذي هو صفة لهم بمنزلة النجاسة الملتصقة بالشيء.
واعلم أن كل هذه الوجوه عدول عن الظاهر بغير دليل.
المسألة الرابعة :
قال أبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم : أعضاء المحدث نجسة نجاسة حكمية وبنوا عليه أن الماء المستعمل في الوضوء والجنابة نجس.


الصفحة التالية
Icon