ولما كان سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري ـ رضى الله عنهم ـ قد قال حين التقى الجمعان وأعجبته كثرة الناس : لن نغلب اليوم من قلة! فساء النبي ـ ﷺ ـ كلامه وأن يعتمد إلا على الله، وكان الإعجاب سمّاً قاتلاً للأسباب، أدبنا الله سبحانه في هذه الغزوة بذكر سوء أثره لنحذره، ثم عاد سبحانه بالإنعام لكون الذي قاله شخصاً واحداً كره غيره مقاتله.
فقال :﴿إذ﴾ أي حين ﴿أعجبتكم كثرتكم﴾ أي فقطعتم لذلك أنه لا يغلبها غالب، وأسند سبحانه الفعل للجمع إشارة إلى أنهم لعلو مقامهم ينبغي أن لا يكون منهم من يقول مثل ذلك ﴿فلم تغن عنكم شيئاً﴾ أي من الإغناء ﴿وضاقت عليكم الأرض﴾ أي الواسعة ﴿بما رحبت﴾ أي مع اتساعها فصرتم لا ترون أن فيها مكاناً يحصنكم مما أنتم فيه لفرط الرعب، فما ضاق في الحقيقة إلا ما كان من الآمال التي سكنت إلى الأموال والرجال، ولعل عطفه - لتوليهم بأداة التراخي في قوله :﴿ثم وليتم﴾ أي تولية كثيرة ظهوركم الكفار، وحقق ذلك بقوله :﴿مدبرين﴾ أي انهزاماً مع أن الفرار كان حين اللقاء لم يتأخر - إشارة إلى ما كان عندهم من استعباده اعتماداً على القوة والكثرة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٢٩٣﴾


الصفحة التالية
Icon