وقال أبو السعود :
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ ﴾
أي رحمتَه التي تسكُن بها القلوبُ وتطمئنُّ إليها اطمئناناً كلياً مستتبِعاً للنصر القريبِ، وأما مطلقُ السكينةِ فقد كانت حاصلةً له عليه الصلاة والسلام قبل ذلك أيضاً ﴿ وَعَلَى المؤمنين ﴾ عطفٌ على رسولِه، وتوسيطُ الجارِّ بينهما للدِلالة على ما بينهما من التفاوت أي المؤمنين الذين انهزموا وقيل : على الذين ثبتوا مع النبي ﷺ أو على الكل وهو الأنسبُ ولا ضيرَ في تحقيق أصلِ السكينةِ في الثابتين من قبل، والتعرُّضُ لوصف الإيمانِ للإشعار بعلية الإنزال ﴿ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ أي بأبصاركم كما يرى بعضُكم بعضاً وهم الملائكةُ عليهم السلام عليهم البياضُ على خيول بُلْقٍ فنظر النبيُّ ﷺ إلى قتال المسلمين فقال هكذا حين حمِيَ الوطيسُ فأخذ كفاً من التراب فرمى به نحو المشركين وقال :" شاهت الوجوه " فلم يبقَ منهم أحدٌ إلا امتلأت به عيناه ثم قال عليه الصلاة والسلام :" انهزَموا وربِّ الكعبة " واختلفوا في عدد الملائكة يومئذ فقيل : خمسةُ آلافٍ، وقيل : ثمانيةُ آلافٍ، وقيل : ستةَ عشَرَ ألفاً، وفي قتالهم أيضاً فقيل : قاتلوا، وقيل : لم يقاتلوا إلا يومَ بدر وإنما كان نزولُهم لتقوية قلوب المؤمنين بإلقاء الخواطِر الحسنةِ وتأييدِهم بذلك وإلقاءِ الرعبِ في قلوب المشركين. قال سعيد بن المسيِّب : حدثني رجل كان في المشركين يوم حُنين قال : لما كشَفْنا المسلمين جعلْنا نسوقُهم فلما انتهينا إلى صاحب البغلةِ الشهباءِ تلقانا رجالٌ بِيضُ الوجوه فقالوا : شاهت الوجوهُ ارجِعوا فرجَعنا فركِبوا أكتافنا ﴿ وَعذَّبَ الذين كَفَرُواْ ﴾ بالقتل والأسر والسبي ﴿ وَذَلِكَ ﴾ أي ما فُعل بهم مما ذكر ﴿ جَزَاء الكافرين ﴾ لكفرهم في الدنيا. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٤ صـ ﴾