وقيل : إذا أريد من المؤمنين المنهزمون فهي على محلها، وإن أريد الثابتون يكون التراخي في الأخبار أو باعتبار مجموع هذا الإنزال وما عطف عليه، وجعلها للتراخي الرتبي بعيد ﴿ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ بأبصاركم كما يرى بعضكم بعضاً وهم الملائكة عليهم السلام على خيول بلق عليهم البياض، وكون المراد لم تروا مثلها قبل ذلك خلاف الظاهر ولم نر في الآثار ما يساعده، واختلف في عددهم فقيل : ثمانية آلاف لقوله تعالى :﴿ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ ﴾ مع قوله سبحانه بعد :﴿ يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءالافٍ ﴾ [ آل عمران : ١٢٤، ١٢٥ ] وقيل : خمسة آلاف للآية الثانية والثلاثة الأولى داخلة في هذه الخمسة، وقيل : ستة عشر ألفاً بعدد العسكرين اثنا عشر ألفاً عسكر المسلمين وأربعة آلاف عسكر المشركين، وكذا اختلفوا في أنهم قاتلوا في هذه الوقعة أم لا، والجمهور على أن الملائكة لم يقاتلوا إلا يوم بدر.
وإنما نزلوا لتقوية قلوب المؤمنين بإلقاء الخواطر الحسنة وتأييدهم بذلك وإلقاء الرعب في قلوب المشركين.
فعن سعيد بن المسيب قال حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين قال : لما كشفنا المسلمين جعلنا نسوقهم فلما انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء تلقانا رجال بيض الوجوه فقالوا : شاهت الوجوه ارجعوا فرجعنا فركبوا أكنافنا.
واحتج من قال : إنهم قاتلوا بما روي أن رجلاً من المشركين قال لبعض المؤمنين بعد القتال : أين الخيل البلق والرجال عليهم ثياب بيض؟ ما كنا نراهم فيكم إلا كهيئة الشامة وما كان قتلنا إلا بأيديهم فأخبر بذلك رسول الله ﷺ فقال عليه الصلاة والسلام :" تلك الملائكة " وليس له سند يعول عليه ﴿ وَعذَّبَ الذين كَفَرُواْ ﴾ بالقتل والأسر والسبي ﴿ وَذَلِكَ ﴾ أي ما فعل بهم مما ذكر ﴿ جَزَاء الكافرين ﴾ لكفرهم في الدنيا. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ١٠ صـ ﴾