الحكم الثالث
في قدر الجزية.
قال أنس : قسم رسول الله ﷺ على كل محتلم ديناراً، وقسم عمر على الفقراء من أهل الذمة اثني عشر درهماً، وعلى الأوساط أربعة وعشرين، وعلى أهل الثروة ثمانية وأربعين.
قال أصحابنا : وأقل الجزية دينار، ولا يزاد على الدينار إلا بالتراضي، فإذا رضوا والتزموا الزيادة ضربنا على المتوسط دينارين، وعلى الغني أربعة دنانير، والدليل على ما ذكرنا : أن الأصل تحريم أخذ مال المكلف إلا أن قوله :﴿حتى يُعْطُواْ الجزية﴾ يدل على أخذ شيء، فهذا الذي قلناه هو القدر الأقل، فيجوز أخذه والزائد عليه لم يدل عليه لفظ الجزية والأصل فيه الحرمة، فوجب أن يبقى عليها.
الحكم الرابع
تؤخذ الجزية عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى في أول السنة، وعند الشافعي رحمه الله تعالى في آخرها.
الحكم الخامس
تسقط الجزية بالإسلام والموت عند أبي حنيفة رحمه الله، لقوله عليه الصلاة والسلام :" ليس على المسلم جزية " وعند الشافعي رحمه الله لا تسقط.
الحكم السادس
قال أصحابنا : هؤلاء إنما أقروا على دينهم الباطل بأخذ الجزية حرمة لآبائهم الذين انقرضوا على الحق من شريعة التوراة والإنجيل وأيضاً مكناهم من أيديهم، فربما يتفكرون فيعرفون صدق محمد ﷺ ونبوته، فأمهلوا لهذا المعنى، والله أعلم.
وبقي ههنا سؤالان :
السؤال الأول : كان ابن الراوندي يطعن في القرآن ويقول : إنه ذكر في تعظيم كفر النصارى.
قوله :﴿تَكَادُ * السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً وَمَا يَنبَغِى للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً﴾ [ مريم : ٩٠ ٩٢ ] فبين أن إظهارهم لهذا القول بلغ إلى هذا الحد، ثم إنه لما أخذ منهم ديناراً واحداً قررهم عليه وما منعهم منه.