وَقَدْ نَقَلَتْ الْأُمَّةُ أَخْذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ السَّوَادِ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّمَا أَخَذَهَا لِأَنَّ الْمَجُوسَ أَهْلُ كِتَابٍ، وَيَحْتَجُّ فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ ﴿ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَخَذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ ﴾، وَقَالَ عَلِيٌّ : أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ يَقْرَءُونَهُ وَأَهْلَ عِلْمٍ يَدْرُسُونَهُ فَنُزِعَ ذَلِكَ مِنْ صُدُورِهِمْ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِنَّهُ إنْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ أَسْلَافَهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ لِإِخْبَارِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ نُزِعَ مِنْ صُدُورِهِمْ، فَإِذًا لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْن مُحَمَّدٍ أَنَّ ﴿ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ : إنَّ مَنْ أَبَى مِنْهُمْ الْإِسْلَامَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَلَا تُؤْكَلُ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ، وَلَا تُنْكَحُ لَهُمْ امْرَأَةٌ ﴾، وَلَوْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ لَجَازَ
أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ، وَمُنَاكَحَةُ نِسَائِهِمْ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.