لفظ الخليل في حق إبراهيم على سبيل التشريف، ثم إن القوم لأجل عداوة اليهود ولأجل أن يقابلوا غلوهم الفاسد في أحد الطرفين بغلو فاسد في الطرف الثاني، فبالغوا وفسروا لفظ الابن بالبنوة الحقيقية والجهال، قبلوا ذلك، وفشا هذا المذهب الفاسد في أتباع عيسى عليه السلام، والله أعلم بحقيقة الحال.
المسألة الثالثة :
قرأ عاصم والكسائي وعبد الوارث عن أبي عمرو ﴿عُزَيْرٌ﴾ بالتنوين والباقون بغير التنوين.
قال الزجاج : الوجه إثبات التنوين.
فقوله :﴿عُزَيْرٌ﴾ مبتدأ وقوله :﴿ابن الله﴾ خبره، وإذا كان كذلك فلا بد من التنوين في حال السعة لأن عزيراً ينصرف سواء كان أعجمياً أو عربياً، وسبب كونه منصرفاً أمران : أحدهما : أنه اسم خفيف فينصرف، وإن كان أعجمياً كهود ولوط والثاني : أنه على صيغة التصغير وأن الأسماء الأعجمية لا تصغر، وأما الذين تركوا التنوين فلهم فيه ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أنه أعجمي ومعرفة، فوجب أن لا ينصرف.
الوجه الثاني : أن قوله :﴿ابن﴾ صفة والخبر محذوف والتقدير : عزير ابن الله معبودنا، وطعن عبد القاهر الجرجاني في هذا الوجه في كتاب "دلائل الإعجاز"، وقال الاسم إذا وصف بصفة ثم أخبر عنه فمن كذبه انصرف التكذيب إلى الخبر، وصار ذلك الوصف مسلماً فلما كان المقصود بالإنكار هو قولهم عزير ابن الله معبودنا، لتوجه الإنكار إلى كونه معبوداً لهم، وحصل كونه ابناً لله، ومعلوم أن ذلك كفر، وهذا الطعن عندي ضعيف.
أما قوله إن من أخبر عن ذات موصوفة بصفة بأمر من الأمور وأنكره منكر، توجه الإنكار إلى الخبر فهذا مسلم.
وأما قوله : ويكون ذلك تسليماً لذلك الوصف فهذا ممنوع، لأنه لا يلزم من كونه مكذباً لذلك الخبر بالتكذيب أن يدل على أن ما سواه لا يكذبه بل يصدقه، وهذا بناء على دليل الخطاب وهو ضعيف لا سيما في مثل هذا المقام.