ورابعها : أن شرعه كان خالياً عن جميع العيوب، فليس فيه إثبات ما لا يليق بالله، وليس فيه دعوة إلى غير الله، وقد ملك البلاد العظيمة، وما غير طريقته في استحقار الدنيا، وعدم الالتفات إليها، ولو كان مقصوده طلب الدنيا لما بقي الأمر كذلك، فهذه الأحوال دلائل نيرة وبراهين قاهرة في صحة قوله، ثم إنهم بكلماتهم الركيكة وشبهاتهم السخيفة، وأنواع كيدهم ومكرهم، أرادوا إبطال هذه الدلائل، فكان هذا جارياً مجرى من يريد إبطال نور الشمس بسبب أن ينفخ فيها، وكما أن ذلك باطل وعمل ضائع، فكذا ههنا، فهذا هو المراد من قوله :﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ الله بأفواههم﴾ ثم إنه تعالى وعد محمداً ﷺ مزيد النصرة والقوة وإعلاء الدرجة وكمال الرتبة فقال :﴿ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون ﴾.
فإن قيل : كيف جاز أبى الله إلا كذا، ولا يقال كرهت أو أبغضت إلا زيداً ؟
قلنا : أجرى ( أبى ) مجرى لم يرد، والتقدير : ما أراد الله إلا ذلك، إلا أن الإباء يفيد زيادة عدم الإرادة وهي المنع والامتناع، والدليل عليه قوله ﷺ :" وإن أرادوا ظلمنا أبينا " فامتدح بذلك، ولا يجوز أن يمتدح بأنه يكره الظلم، لأن ذلك يصح من القوي والضعيف، ويقال : فلان أبى الضيم، والمعنى ما ذكرناه، وإنما سمى الدلائل بالنور لأن النور يهدي إلى الصواب فكذلك الدلائل تهدي إلى الصواب في الأديان. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٦ صـ ٣١ ـ ٣٢﴾


الصفحة التالية
Icon