﴿سيقول السفهاء من الناس ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها﴾ [ البقرة : ١٤٢ ] ثم رد كلامه أحسن رد ثم قال له ما حاصله : دع عنك مثل هذه الخرافات، وأجب عن الأمور التي ألزمتكم بها في كتاب غاية المقصود، فما أحار جواباً، ثم القائل لهذا القول منهم روى عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنهم أربعة، وقيل : قائله واحد وأسند إلى الكل كما يقال : فلان يركب الخيول وقد لا يكون له إلا فرس واحد، وهو كقوله تعالى ﴿الذين قال لهم الناس﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ] وقيل : كان فاشياً فيهم فلما عابهم الله به تركوه وهم الآن ينكرونه، والله تعالى أصدق حديثاً ﴿وقالت النصارى﴾ أي منهم إفكاً وعدواناً ﴿المسيح﴾ وأخبروا عنه بقولهم :﴿ابن الله﴾ أي مع أن له الغنى المطلق والكمال الأعظم، والمسيح هذا هو ابن الله مريم بنت عمران ؛ ثم استأنف قوله مترجماً قولي فريقيهم :﴿ذلك﴾ أي القول البعيد من العقول المكذب للنقول ﴿قولهم بأفواههم﴾ أي حقيقة لم يحتشموا من قوله مع سخافته، وهو مع ذلك قول لا تجاوز حقيقته الأفواه إلى العقول لأنه لا يتصوره عاقل، بل هو قول مهمل كأصوات الحيوانات العجم لا يتحقق له المعنى ؛ قال : ومعناه الحال أن قائله لا عقل له، ليس له معنى وراء ذلك، ولبعده عن أن يكون مقصوداً لعاقل عبر فيه بالأفواه التي هي أبعد من الألسنة إلى القلوب.
ولما كان كأنه قيل : فما لهم إذا كان هذا حالهم قالوه؟ قال ما حاصلة : إنهم قوم مطبوعون على التشبه بمن يفعل المفاسد كما أنهم تشبهوا بعبدة الأوثان، فعبدوها غير مرة والأنبياء بين أظهرهم يدعونهم إلى الله وكتابهم ينادي بمثل ذلك وينذرهم أشد الإنذار ﴿يضاهئون﴾ أي حال كونهم يشابهون بقولهم هذا ﴿قول الذين كفروا﴾ أي بمثله وهو العرب حيث قالوا : الملائكة بنات الله، كما أنهم لما رأوا الذين يعكفون على أصنام لهم قالوا :﴿يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ﴾.


الصفحة التالية
Icon