وقال الثعلبى :
﴿ اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ ﴾
قال الضحاك : علماءهم، وقرأ : رهبان، وأحبار العلماء : واحدهم حَبر وحِبر بكسر الحاء وفتحها والكسر أجود، وكان يونس الجرمي يزعم أنه لم يسمع فيه إلا بكسر الحاء، ويحتج فيه بقول الناس : هذا محبر يريدون مداد عالم، والرهبان من النصارى أصحاب الصوامع وأهل الأصفاد في دينهم، يقال : راهب ورهبان مثل فارس وفرسان، وأصله من الرّهبة وهي الخوف كأنهم يخافون الله ﴿ أَرْبَاباً ﴾ سادة ﴿ مِّن دُونِ الله ﴾ يطيعونهم في معاصي الله.
مصعب بن سعد عن " عدي بن حاتم قال : أتيت رسول الله ﷺ وفي عنقي صليب من ذهب. فقال : يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك، قال : فطرحته ثم انتصب وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية :﴿ اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً ﴾ من دون الله حتى فرغ منها فقلت له : إنّا لسنا نعبدهم، فقال : أليس يحرّمون حلال الله فتحرّمونه، ويحلّون ماحرّم الله فتحلّونه، قال : فقلت : بلى ".
قال أبو الأحوص : عن عطاء بن أبي البختري في قول الله عز وجل :﴿ اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً ﴾ قال : أما [ لو أمروهم ] أن يعبُدوهم من دون الله ما أطاعوهم ولكنّهم أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه، وحرامه حلاله فأطاعوهم، فكانت تلك الربوبية.
وقال الربيع : قلت لأبي العالية كيف كانت تلك الربوبية في بني اسرائيل؟ قال : إنهم وجدوا في كتاب الله عز وجل ما أمروا به ونهوا عنه، فقالوا : لن نسبق أحبارنا بشيء فما أمرونا بشيء ائتمرنا ومانُهينا عنه فانتهينا، الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.
وقال أهل المعاني : معناه اتخذوا أحبارهم ورهبانهم كالأذناب حيث أطاعوهم في كل شيء، كقوله :﴿ قَالَ انفخوا حتى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً ﴾ [ الكهف : ٩٦ ] أي كالنار، وقال عبد الله المبارك :
وهل بدّل الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها.
﴿ وَمَآ أمروا إِلاَّ ليعبدوا إلها وَاحِداً لاَّ إله إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ ﴾ نزّه نفسه ﴿ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ القراءة بالياء وقرأ ابن أبي إسحاق بالتاء. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon