ولما كان أكثرهم يكنزون تلك الأموال، شرع سبحانه على مطلق الكنز، ففهم من باب الأولى الصد الذي هو سبب الجمع الذي هو سبب الكنز فقال :﴿والذين﴾ أي يفعلون ذلك والحال أنهم يعلمون أن الذين ﴿يكنزون﴾ أي يجمعون تحت الأرض أو فوقها من قولهم للمجتمع اللحم : مكتنز ﴿الذهب والفضة﴾ أي منهم ومن غيرهم من غير تزكية.
ولما كان من المعلوم أنهما أجل ما الناس، وكان الكنز دالاً على المكاثرة فيهما، أعاد الضمير عليهما بما يدل على الأنواع الكثيرة فقال :﴿ولا ينفقونها﴾ أي ينفقون ما وجب عليهم من هذه الأموال التي جمعوها من هذين النوعين مجتمعين أو منفردين، ولو ثنى لأوهم أن اجتماعها شرط للترهيب، وإنما أعاد الضمير عليها من غير ذكر " من " - وهي مرادة - لمزيد الترغيب في الإنفاق والترهيب من تركه، ويجوز أن يعود الضمير إلى الفضة لأن الذم على كنزها، والحاجة إليها لكثرتها أقل، فالذم على كنز الذهب من باب الأولى لأنه أعلى منها وأعز بخلاف الذم على كنز الذهب ؛ وقال الحرالي في آل عمران : فأوقع الإنفاق عليهما ولم يخصه من حيث لم يكن، ولا ينفقون منها كما قال في المواشي [ خذ من أموالهم ] لأن هذين الجوهرين خواتم ينال بها أهل الدنيا منافعهم وقد صرف عنهم الانتفاع بهما فلم يكن لوجودهما فائدة إلا بإنفاقهما لأنهما صنما هذه الأمة، فكان كسرهما بإذهابهما -انتهى.
﴿في سبيل الله﴾ أي الوجه الذي أمر الملك الأعلى بإنفاقها فيه ﴿فبشرهم﴾ أي نقول فيهم بسبب ذلك تهكماً بهم : بشرهم ﴿بعذاب أليم﴾ عوضاً عما أرادوا من السرور بإنجاح المقاصد. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٣٠٥ ـ ٣٠٦﴾