ولما أمر بقتال المشركين كافة وحثهم على التقوى، وكان بعضهم قد توانى في ذلك، اشتد اقتضاء الحال لمعاتبة على التثاقل عن النفر، فلما تم ذلك في هذا الأسلوب البديع والطراز الرفيع حث على نصر الرسول الذي أرسله ليظهره على الدين كله فقال جواباً للشرط :﴿فقد﴾ أي إن لم يتجدد منكم له نصر فإن الله قادر على نصره وسينصره ويغنيه عنكم ولا تضرون إلا أنفسكم فقد ﴿نصره الله﴾ أي الملك الأعظم وحده والأمر في غاية الشدة، ولا شك عند عاقل أن المستقبل عنده كالماضي ﴿إذ﴾ أي حين ﴿أخرجه الذين﴾ وعبر بالماضي لأن فيهم من أسلم بعد ذلك فقال :﴿كفروا﴾ أي من مكة وهم في غاية التمالؤ عليه حين شاوروا في قتله أو إخراجه او إثباته، فكان ذلك سبباً لإذن الله له في الخروج من بينهم حال كونه ﴿ثاني اثنين﴾ أي أحدهما أبو بكر ـ رضى الله عنهم ـ ولا ثالث لهما ينصرهما إلا الله ﴿إذ هما في الغار﴾ أي غار ثور الذي في أعلى الجبل المواجه للركن اليماني بأسفل مكة على مسيرة ساعة منها لمّا كمنا به ثلاث ليال ليفتر عنهما الطلب، وذلك قبل أن يصلا إليكم أو يعولا في النصر عليكم ﴿إذ يقول﴾ أي رسول الله ـ ﷺ ـ ﴿لصاحبه﴾ أي أبي بكر الصديق ـ رضى الله عنهم ـ وثوقاً بربه غير منزعج من شيء ﴿لا تحزن﴾ والحزن : هم غليظ بتوجع يرق له القلب، حزنه وأحزنه بمعنى ؛ وقال في القاموس : أو أحزنه : جعله حزيناً، وحزّنه : جعل فيه حزناً ؛ ثم علل نهيه لصاحبه بقوله معبراً بالاسم الأعظم مستحضراً لجميع ما جمعه من الأسماء الحسنى والصفات العلى التي تخضع دونها صلاب الرقاب وتندك بعظمتها شوامخ الجبال الصلاب ﴿إن الله﴾ أي الذي له الأمر كله ﴿معنا﴾ أي بالعون والنصرة، وهو كاف لكل مهم، قوي على دفع ملم، فالذي تولى نصره بالحراسة في ذلك الزمان كان قادراً على أن يأمر الجنود التي أيده بها أن تهلك الكفار في كل موطن من غير أن يكون لكم في ذلك أمر أو يحصل لكم به أخر، وكما