وقال الثعلبى :
﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ مَا لَكُمْ ﴾ الآية
فيها حثٌّ من الله سبحانه لأصحاب رسول الله ﷺ على غزوة تبوك، وذلك أن رسول الله ﷺ لما رجع من الطائف أمر بالجهاد لغزوة الروم، وذلك في زمان عسرة من الناس وجدب من البلاد وشدة من الحر [ حين ] فأحرقت النخل وطابت الثمار وعظم على الناس غزوة الروم، وأحبّوا الظلال والمقام في المسكن والمال، فشقّ عليهم الخروج إلى القتال، وكان رسول الله ﷺ قلَّ ماخرج في غزوة الاّ كنّى عنها وورّى بغيرها إلا غزوة تبوك لبُعد شقتها وكثرة العدو ليتأهب الناس وأمرهم بالجهاد، وأخبرهم بالذي يريد، فلمّا علم الله تثاقل الناس، انزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا مالكم أي شيء أمركم ﴿ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ﴾ إذا قال لكم رسول الله ﴿ انفروا ﴾ اخرجوا ﴿ فِي سَبِيلِ الله ﴾ وأصل النفر مفارقة مكان إلى مكان آخر لأمر هاج على ذلك، فقالت نفر فلان إلى ثغر كذا، ينفر نفراً ونفوراً، ومنه نفور الدابة ونفارها ﴿ اثاقلتم ﴾ تباطأتم.
قال المبرّد : أخلدْتم ﴿ إِلَى الأرض ﴾ ومعناه : لزمتم أرضكم ومساكنكم، وأصله تثاقلتم فأُدغمت التاء في الثاء وأخرجت لها الف يوصل إلى الكلام بها حين الابتداء بها، كقوله ﴿ حتى إِذَا اداركوا فِيهَا ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ] وقالوا : اطّيرنا وأرجفت، العلاء والكسائي.
تولى الضجيج إذا ما اشتاقها خضرا | عذب المذاق إذا ما اتابع القبل |
﴿ أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة ﴾ أي أرضيتم الدنيا ودِعتها عوضاً من نعيم الآخرة وثوابها ﴿ فَمَا مَتَاعُ الحياة الدنيا فِي الآخرة إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ ثم أوعدهم على ترك الجهاد. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٥ صـ ﴾