وقال القرطبى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾
فيه مسألتان :
الأُولى قوله تعالى :﴿ مَا لَكُمْ ﴾ "ما" حرف استفهام معناه التقرير والتوبيخ ؛ التقدير : أي شيء يمنعكم عن كذا ؛ كما تقول : مالك عن فلان مُعْرِضاً.
ولا خلاف أن هذه الآية نزلت عتاباً على تخلُّف من تخلّف عن رسول الله ﷺ في غزوة تَبُوك، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام، وسيأتي ذكرها في آخر السورة إن شاء الله.
والنَّفْر : هو التنقل بسرعة من مكان إلى مكان لأمر يحدث ؛ يقال في ابن آدم : نفَر إلى الأمر يَنْفِر نفوراً.
وقوم نفور ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ وَلَّوْاْ على أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً ﴾ [ الإسراء : ٤٦ ].
ويقال في الدابة : نَفَرت تَنْفِرُ ( بضم الفاء وكسرها ) نفاراً ونفوراً.
يقال : في الدابة نِفار، وهو اسم مثل الحِران.
ونفر الحاج من مِنًى نَفْراً.
الثانية قوله تعالى :﴿ اثاقلتم إِلَى الأرض ﴾ قال المفسرون : معناه اثاقلتم إلى نعيم الأرض، أو إلى الإقامة بالأرض.
وهو توبيخ على ترك الجهاد وعتابٌ على التقاعد عن المبادرة إلى الخروج، وهو نحو من أخلد إلى الأرض.
وأصله تثاقلتم، أدغمت التاء في الثاء لقربها منها، واحتاجت إلى ألف الوصل لتصل إلى النطق بالساكن ؛ ومثله "ادّارَكُوا" و "ادارأتم" و "اطيرنا" و "ازينت".
وأنشد الكسائي :
تُولِي الضَّجيعَ إذا ما استافها خَصِراً...
عَذبَ المَذاق إذا ما اتابع القُبَلُ
وقرأ الأعمش "تَثَاقَلْتُمْ" على الأصل.
حكاه المهدويّ.
وكانت تبوك ودعا الناس إليها في حرارة القَيْظ وطيب الثمار وبرد الظلال كما جاء في الحديث الصحيح على ما يأتي فاستولى على الناس الكسل، فتقاعدوا وتثاقلوا ؛ فوبّخهم الله بقوله هذا، وغاب عليهم الإيثار للدنيا على الآخرة.