قال القاضي : هذا ضعيف لأن اللفظ لا دلالة فيه على أنه عليه السلام ينقل من المدينة إلى غيرها، فلا يمتنع أن يظهر الله في المدينة أقواماً يعينونه على الغزو، ولا يمتنع أن يعينه بأقوام من الملائكة أيضاً حال كونه هناك، والثالث : قوله :﴿وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا﴾ والكناية في قول الحسن : راجعة إلى الله تعالى، أي لا تضروا الله لأنه غني عن العالمين، وفي قول الباقين يعود إلى الرسول، أي لا تضروا الرسول لأن الله عصمه من الناس، ولأنه تعالى لا يخذله إن تثاقلتم عنه.
ثم قال :﴿والله على كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ﴾ وهو تنبيه على شدة الزجر من حيث إنه تعالى قادر لا يجوز عليه العجز، فإذا توعد بالعقاب فعل.
المسألة الثانية :
قال الحسن وعكرمة : هذه الآية منسوخة بقوله :﴿وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً﴾ [ التوبة : ١٢٢ ] قال المحققون : إن هذه الآية خطاب لمن استنفرهم رسول الله ﷺ فلم ينفروا، وعلى هذا التقدير فلا نسخ.
قال الجبائي : هذه الآية تدل على وعيد أهل الصلاة حيث بين أن المؤمنين إن لم ينفروا يعذبهم عذاباً إليماً وهو عذاب النار، فإن ترك الجهاد لا يكون إلا من المؤمنين، فبطل بذل قول المرجئة إن أهل الصلاة لا وعيد لهم، وإذا ثبت الوعيد لهم في ترك الجهاد فكذا في غيره، لأنه لا قائل بالفرق، واعلم أن مسألة الوعيد ذكرناها بالاستقصاء في سورة البقرة.
المسألة الثالثة :
قال القاضي : هذه الآية دالة على وجوب الجهاد، سواء كان مع الرسول أو لا معه، لأنه تعالى قال :﴿يا أيها الذين ءامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا﴾ ولم ينص على أن ذلك القائل هو الرسول.
فإن قالوا : يجب أن يكون المراد هو الرسول لقوله تعالى :﴿وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ ولقوله :﴿وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا﴾ إذ لا يمكن أن يكون المراد بذلك إلا الرسول.
قلنا : خصوص آخر الآية لا يمنع من عموم أولها على ما قررنا في أصول الفقه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٦ صـ ٤٩ ـ ٥٠﴾