فَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى فَرْضِ النَّفِيرِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنْفِرُوا، وَالْآيَةُ الْأُولَى يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا وُجُوبَ فَرْضِ النَّفِيرِ إذَا اُسْتُنْفِرُوا، وَقَدْ ذُكِرَ فِي تَأْوِيلِهِ وُجُوهٌ : أَحَدُهَا : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ لَمَّا نَدَبَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إلَيْهَا فَكَانَ النَّفِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَرْضًا عَلَى مَنْ اسْتَنْفَرَ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ :﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ قَالُوا : وَلَيْسَ كَذَلِكَ حُكْمُ النَّفِيرِ مَعَ غَيْرِهِ.
وَقِيلَ : إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :﴿ إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ﴾ وَ ﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﴾ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي تَلِيهَا :﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ﴾.
وَقَالَ آخَرُونَ : لَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نَسْخٌ، وَحُكْمُهُمَا ثَابِتٌ فِي حَالَيْنِ، فَمَتَى لَمْ يُقَاوِمْ أَهْلُ الثُّغُورِ الْعَدُوَّ، وَاسْتُنْفِرُوا فَفُرِضَ عَلَى النَّاسِ النَّفِيرُ إلَيْهِمْ حَتَّى يَسْتَحْيُوا الثُّغُورَ، وَإِنْ اُسْتُغْنِيَ


الصفحة التالية
Icon