هذه الآية نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، ومعنى الكلام أنه لو كانت المنافع قريبة والسفر قريباً لاتبعوك طمعاً منهم في الفوز بتلك المنافع، ولكن طال السفر فكانوا كالآيسين من الفوز بالغنيمة، بسبب أنهم كانوا يستعظمون غزو الروم، فلهذا السبب تخلفوا.
ثم أخبر الله تعالى أنه إذا رجع من الجهاد يجدهم يَحْلِفُونَ بالله لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ إما عندما يعاتبهم بسبب التخلف، وإما ابتداء على طريقة إقامة العذر في التخلف، ثم بين تعالى أنهم يهلكون أنفسهم بسبب ذلك الكذب والنفاق.
وهذا يدل على أن الأيمان الكاذبة توجب الهلاك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام :" اليمين الغموس تدع الديار بلاقع " "
ثم قال :﴿والله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لكاذبون﴾ في قولهم ما كنا نستطيع الخروج، فإنهم كانوا مستطيعين الخروج.
المسألة الثالثة :
دلت الآية على أن قوله :﴿انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً﴾ إنما يتناول من كان قادراً متمكناً، إذ عدم الاستطاعة عذر في التخلف.
المسألة الرابعة :
استدل أبو علي الجبائي بهذه الآية على بطلان أن الاستطاعة مع الفعل، فقال : لو كانت الاستطاعة مع الفعل لكان من يخرج إلى القتال لم يكن مستطيعاً إلى القتال، ولو كان الأمر كذلك لكانوا صادقين في قولهم : ما كنا نستطيع ذلك، ولما كذبهم الله تعالى في هذا القول، علمنا أن الاستطاعة قبل الفعل.
واستدل الكعبي بهذا الوجه أيضاً له، وسأل نفسه لا يجوز أن يكون المراد به : ما كان لهم زاد ولا راحلة، وما أرادوا به نفس القدرة.
وأجاب : إن كان من لا راحلة له يعذر في ترك الخروج، فمن لا استطاعة له أولى بالعذر.
وأيضاً الظاهر من الاستطاعة قوة البدن دون وجود المال، وإذا أريد به المال، فإنما يراد لأنه يعين على ما يفعله الإنسان بقوة البدن، فلا معنى لترك الحقيقة من غير ضرورة.


الصفحة التالية
Icon