وقال القرطبى :
﴿ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ﴾
لمّا رجع النبيّ ﷺ من غزوة تبوك أظهر الله نفاق قوم.
والعَرَض : ما يعرض من منافع الدنيا.
والمعنى : غنيمة قريبة.
أخبر عنهم أنهم لو دُعُوا إلى غنيمة لاتبعوه.
﴿ عَرَضاً ﴾ خبر كان.
﴿ قَرِيباً ﴾ نعته.
﴿ وَسَفَراً قَاصِداً ﴾ عطف عليه.
وحذف اسم كان لدلالة الكلام عليه.
التقدير : لو كان المدعوّ إليه عَرَضاً قريباً وسفراً قاصداً أي سهلاً معلوم الطُرق لاتبعوك.
وهذه الكناية للمنافقين كما ذكرنا ؛ لأنهم داخلون في جملة من خوطب بالنفير.
وهذا موجود في كلام العرب، يذكرون الجملة ثم يأتون بالإضمار عائداً على بعضها ؛ كما قيل في قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ أنها القيامة.
ثم قال جل وعز :﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيّاً ﴾ يعني جل وعز جهنم.
ونظير هذه الآية من السُّنة في المعنى قوله عليه السلام :" لو يعلم أحدهم أنه يجد عَظْماً سميناً أو مِرْماتين حسنتين لشَهِد العِشاء " يقول : لو علم أحدهم أنه يجد شيئا حاضراً معجّلاً يأخذه لأتى المسجد من أجله.
﴿ ولكن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة ﴾ حكى أبو عبيدة وغيره أن الشقة السفر إلى أرض بعيدة.
يقال : منه شُقّة شاقة.
والمراد بذلك كلّه غزوة تبوك.
وحكى الكسائيّ أنه يقال : شُقة وشِقة.
قال الجوهري : الشّقة بالضم من الثياب ؛ والشّقة أيضاً السفر البعيد وربما قالوه بالكسر.
والشِّقة شظِيّة تشظى من لوح أو خشبة.
يقال للغضبان : احتدّ فطارت منه شقة، بالكسر.
﴿ وَسَيَحْلِفُونَ بالله لَوِ استطعنا ﴾ أي لو كان لنا سِعَة في الظَّهْر والمال.


الصفحة التالية
Icon