وقال الخازن :
قوله :﴿ عفا الله عنك لم أذنت لهم ﴾
قال الطبري : هذا عتاب من الله عاتب الله به نبيه محمداً ( ﷺ ) أي في إذنه لمن أذن له في التخلف عنه من المنافقين حين شخص إلى تبوك لغزو الروم.
والمعنى : عفا الله عنك يا محمد ما كان منك في إذنك لهؤلاء المنافقين الذين استأذنوك في ترك الخروج معك إلى تبوك.
قال عمرو بن ميمون الأودي : اثنان فعلهما رسول الله ( ﷺ ) لم يؤمر بشيء فيهما إذنه للمنافقين وأخذه الفداء من أسارى بدر فعاتبه الله كما تسمعون وقال سفيان بن عيينة : انظروا إلى هذا اللطف بدأه بالعفو قبل أن يعيره بالذنب.
( فصل )
استدل بهذه الآية من يرى جواز صدور الذنوب من الأنبياء وبيانه من وجهين : أحدهما، أنه سبحانه وتعالى.
قال : عفا الله عنك والعفو يستدعي سابقة الذنب الوجه الثاني أنه سبحانه وتعالى قال لم أذنت لهم وهذا استفهام معناه الإنكار.
والجواب عن الأول : إنا لا نسلم أن قوله تعالى عفا الله عنك يوجب صدور الذنب بل نقول إن ذلك يدل على المبالغة في التعظيم والتوقير فهو كما يقول الرجل لغيره إذا كان معظماً له عفا الله عنك ما صنعت في أمري ما جوابك عن كلامي وعافاك الله وغفر لك كل هذه الألفاظ في ابتداء الكلام وافتتاحه تدل على تعظيم المخاطب به قال علي بن الجهم يخاطب المتوكل.
عفا الله عنك إلا حرمة...
تعود بفضلك أن أبعدا
ألم تر عبداً عدا طوره...
ومولى عفا ورشيداً هدى
أقلني أقالك من لم يزل...
يقيل ويصرف عنك الردى
والجواب عن الثاني : أنه لا يجوز أن يكون المراد بقوله لم أذنت لهم الإنكار عليه وبيانه : إما أن يكون قد صدر عنه ذنب في هذه الواقعة أولاً فإن كان قد صدر عنه ذنب فذكر الذنب بعد العفو لا يليق.


الصفحة التالية
Icon