فصل


قال الفخر :
﴿ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قال ابن عباس : قوله :﴿لاَ يَسْتَأْذِنُكَ﴾ أي بعد غزوة تبوك، وقال الباقون : هذا لا يجوز، لأن ما قبل هذه الآية وما بعدها وردت في قصة تبوك، والمقصود من هذا الكلام تمييز المؤمنين عن المنافقين، فإن المؤمنين متى أمروا بالخروج إلى الجهاد تبادروا إليه ولم يتوقفوا، والمنافقون يتوقفون ويتبلدون ويأتون بالعلل والأعذار.
وهذا المقصود حاصل سواء عبر عنه بلفظ المستقبل أو الماضي، والمقصود أنه تعالى جعل علامة النفاق في ذلك لوقت الاستئذان، والله أعلم.
المسألة الثانية :
قوله :﴿لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الذين يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر أَن يجاهدوا﴾ فيه محذوف، والتقدير : في أن يجاهدوا.
إلا أنه حسن الحذف لظهوره، ثم ههنا قولان :
القول الأول : إجراء هذا الكلام على ظاهره من غير إضمار آخر، وعلى هذا التقدير فالمعنى أنه ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا، وكان الأكابر من المهاجرين والأنصار يقولون لا نستأذن النبي ﷺ في الجهاد، فإن ربنا ندبنا إليه مرة بعد أخرى، فأي فائدة في الاستئذان ؟ وكانوا بحيث لو أمرهم الرسول بالقعود لشق عليهم ذلك، ألا ترى أن علي بن أبي طالب لما أمره رسول الله ﷺ بأن يبقى في المدينة شق عليه ذلك ولم يرض إلى أن قال له الرسول :" أنت مني بمنزلة هرون من موسى ".


الصفحة التالية
Icon